خطبة (عظمة القرآن المجيد)

خطبة (عظمة القرآن المجيد)

عنوان الخطبة: عظمة القرآن المجيد.
 

عناصر الخطبة:

١- تعظيم الله للقرآن.

٢- وجوه عظمة القرآن.

٣–  كيف نعظم القرآن؟

 

الحمدُ للهِ أنزلَ القرآنَ العظيمَ ولم يجعلْ لهُ عِوَجًا، قَيِّمًا تِبيانًا لكُلِّ شيءٍ رحمةً وهُدًى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقِبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عباد الله:

بَينَمَا الشَّيَاطِينُ تَستَرِقُ الأَخبَارَ مِنَ السَّمَاءِ، إذا بها مُلئِت حرَسًا شديدًا وشُهُبًا، فانطلَقُوا يقولون: "حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، وقَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فمروا على النبيِّ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًاصحيح البخاري (٧٧٣)، وصحيح مسلم (٤٤٩)، من قول ابن عباس رضي الله عنهما. (١)

إِنَّهُ القُرآنُ العَظِيمُ، هَكَذَا وَسَمَهُ اللَّهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ مُمتَنًّا عَلَى رَسُولِهِ ﷺ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ‌وَالْقُرْآنَ ‌الْعَظِيمَ[الحجر: ٨٧].

أعلى اللهٌ قدرَهُ ومقامَه، وأعظمَ شأنَه وبيانَه، فقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ[الزخرف: ٣-٤]، وقال سبحانه: بَلْ هُوَ ‌قُرْآنٌ ‌مَجِيدٌ[البروج: ٢١].

كتابٌ لا يغسِلُهُ الماء، محفوظٌ بحفظِ ربِّ الأرضِ والسماء، لا تطولُهُ أيدي المحرِّفين، ولا تنالُه أكاذيبُ المبطِلين، تولّى اللهُ حفظهُ فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ ‌لَحَافِظُونَ[الحجر: ٩]، ووعدَ بذلكَ نبيّهَ ﷺ فقالَ له: «وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ». صحيح مسلم (٢٨٦٥)، من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه. (٢)

مهيمِنٌ علىٰ ما سبقَهُ من الكتبِ، وهو أعظمُ كتبِ اللهِ، نزلَ بهِ أعظمُ ملائكتِهِ، علىٰ خيرِ رسلِهِ، بأفصحِ الألسنةِ وأبينِها، لخيرِ أمةٍ أُخرجتْ للناسِ.

وعظَمةُ القرآنِ لا يحيطُ بها إلا اللهُ العظيمُ، وهل يُدرِكُ الإنسانُ عظَمةَ ربِّهِ وسيِّدِهِ؟

قرآنٌ لو نزلَ علىٰ الجبالِ لرأيتَها خاشعةً متصدِّعةً، ولـمّا سمِعَتْهُ القلوبُ خرَّتْ ساجدةً خاضعةً.
 

عبادَ الله:

إننا نقفُ اليومَ علىٰ شيءٍ من جلالِ القرآنِ وعظمتِهِ، ليَعْظُمَ في النفوسِ قدْرُهُ، ولِتُجِلَّ القلوبُ مقامَهُ وشأنَهُ.
إنَّ من عظَمةِ القرآنِ كثرةَ أسمائِهِ وأوصافِهِ، فهو القرآنُ العظيمُ، والقرآنُ المجيدُ، والقرآنُ الحكيمُ، والقرآنُ الكريمُ، والقرآنُ المبينُ، والكتابُ العزيزُ، والفرقانُ، والذكرُ الحكيمُ، وصفَهُ اللهُ بأنَّهُ أحسنُ الحديثِ، ووصفَهُ بالحقِّ، والصِّدقِ، والبُرهانِ، والنُّورِ، والرُّوحِ، والشفاءِ، والمباركِ، والموعظةِ، وهو يحمِلُ كلَّ تلكَ الأوصافِ علىٰ التمامِ والكمالِ.
ومن عظَمةِ القرآنِ أنَّ اللهَ نسبَ تنزيلَهُ لأسمائِهِ الحسنىٰ وصفاتِهِ العُلا؛ لأنَّهُ يحملُ صفاتِ كمالِهِ وجلالِهِ وجمالِهِ، فقال: وَإِنَّهُ ‌لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الشعراء: ١٩٢]، وقال: ‌تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ[يس: ٥]، وقال: ‌تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[غافر: ٢]، وقال: ‌تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت: ٤٢].

فهذا القرآنُ المجيدُ نزلَ بربوبيّةِ اللهِ وعزّتِهِ وعلمِهِ وحكمتِهِ ورحمتِهِ، فلَهُ الحمدُ بِما أنزلَ.

ومن عظَمةِ القرآنِ عظَمةُ فضائلِهِ، فقد رتَّبَ اللهُ تعالى الأجرَ العظيمَ علىٰ تلاوتِهِ وسماعِهِ وتعلُّمِهِ وتعليمِهِ وحفظِهِ، فالحرفُ منهُ يَجزي اللهُ بهِ قارئَهُ عشْرَ حسَناتٍ، يقول النبيُّ ﷺ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الٓـمٓ حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». جامع الترمذي (٢٩١٠)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٣٢٧). (٣)

وحافظُ القرآنِ العاملُ بهِ في أعلىٰ درجاتِ الجنانِ، يقول النبيُّ ﷺ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا». سنن أبي داود (١٤٦٦)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٢٤٠). (٤)

وجعلَ النبيُّ ﷺ خيرَ المسلمينَ من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ، فقال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». صحيح البخاري (٥٠٢٧)، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. (٥)

وأهلُ القرآنِ أهلُ اللهِ وخاصَّته، يقول ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ». سنن ابن ماجه (٢١٥)، من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٧٨). (٦)

ومِن عظَمةِ القرآنِ عظمةُ التَّحدّي، فإنَّ اللهَ جعلَ القرآنَ آيةَ النبيِّ ﷺ الخالدةَ، تحدّىٰ بها الإنسَ والجنَّ، تحدّاهُمْ أنْ يأتوا بمثلِهِ، أو بعَشْرِ سُوَرٍ مثلِهِ، أو بسورةٍ مثلِهِ، فلمْ يستطيعوا، ولنْ يستطيعوا.

قال سبحانه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا ‌بِمِثْلِ ‌هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨].

وقال جلّ شأنُه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا ‌بِعَشْرِ ‌سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[هود: ١٣-١٤].

وقال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا ‌بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[يونس: ٣٨].

ومن عظَمةِ القرآنِ عظمةُ معانيهِ ومقاصدِهِ، فإنَّ اللهَ جعلَهُ نورًا وهدًى، فكانَ من أعظمِ مقاصدِهِ دلالةُ الخلقِ علىٰ ربِّهمْ، فبيَّنَ لهمْ فيهِ سبحانَهُ أسماءَهُ وصفاتِهِ وأفعالَهُ، يُصحِّحُ العقائدَ، ويُبطِلُ الباطلَ، ويُقيمُ البراهينَ علىٰ وَحدانيَّتِهِ وإلـهيَّتِهِ وعلىٰ البعثِ بعدَ الموتِ، ويصفُ الدارَ الآخرةَ وأهوالَها كأنَّها رأيُ العينِ، بآياتٍ تخاطبُ العقلَ والرُّوحَ والفطرةَ.

يعرِّفُ الإنسانَ بأصلِهِ وتاريخِ وجودِهِ وصفاتِهِ، وبالغايةِ التي خُلِقَ لأجلِها، ويبيّنُ لهُ وظيفةَ العبوديّةِ أحكمَ البيانِ، يدلُّ العبادَ علىٰ الصراطِ المستقيمِ، ويوضِّحُ معالمَهُ، ويُبيّنُ سُبُلَ الشيطانِ وأوليائِهِ ومسالكَهُ وكيدَهُ، وسبيلَ النجاةِ من وساوسِهِ.

يقصُّ علىٰ خلقِهِ نبأَ أنبيائِهِ ورسالاتِهِ، مِن لَدُنْ آدمَ إلىٰ خاتَمِهِم محمدٍ صلىٰ اللهُ عليهمْ وسلَّمَ أجمعينَ، يُخبِرُهم عن دعوتِهِم دعوةِ التوحيدِ، وقيامِهِم بالبلاغِ والإصلاحِ، وسبيلِهِم وصبرِهِم وجهادِهِم، ويقصُّ نبأَ السابقينَ أحسنَ القَصصِ وأجملَهُ، دونَ زَيفٍ أو تَدليسٍ، قَصصًا بهِ العِظةُ والاعتبارُ.

شرعَ الأحكامَ التي بها صلاحُ الدينِ والدنيا، وفصّلَ أحكامَ العباداتِ من الطهارةِ والصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِّ والجهادِ في سبيلِهِ، وترىٰ فيهِ المعاملاتِ كأحكامِ البيعِ والإجارةِ والرَّهْنِ، بل ترىٰ أطولَ آيةٍ فيهِ يكلِّمُنا اللهُ فيها عن أحكامِ الدُّيونِ.

يضعُ في كتابِهِ نظامًا مجتمعيًّا بهِ صلاحُ الأسرةِ والمجتمعِ، فيهِ تفصيلُ أحكامِ الزواجِ والطلاقِ والنفَقاتِ والرَّضاعِ والمواريثِ والوصايا، يوصي كلًّا من الزوجينِ برفيقِهِ وولدِهِ، ويوصي المجتمعَ كلَّهُ بالعملِ علىٰ صلاحِ كِيانِ الأُسرةِ وصيانتِهِ، ويوصي الأبناءَ بآبائِهِم وأمهاتِهِم، ويُحرِّجُ حقَّ الضعفاءِ، الأيتامِ والمرضىٰ والنساءِ، ويُشرّعُ الأحكامَ التي بها صَونُ حقوقِهِم وكفُّ الأذىٰ عنهمْ.

يؤسِّسُ قواعدَ السياسةِ والاقتصادِ، ويضعُ أصولَ الحربِ والسِّلمِ، ويُبيّنُ أساسَ الحُكمِ والعَدلِ بينَ الناسِ، ويُشرِّعُ الحدودَ والعقوباتِ، دونَ هوًى أو شطَطٍ.

يفصِّلُ الحلالَ والحرامَ، ويبيِّنُ الطَّيِّبَ من الخبيثِ، ويُعلّمُ الإنسانَ كيفَ تزكو نفسُهُ من أدرانِها، وتَطْهُرُ روحُهُ من أدوائِها وعِللِها، يخبرُهُ عن عبوديَّتِهِ لربِّهِ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ، وكيفَ يُعامِلُ الناسَ بعدلٍ ورحمةٍ، فيُبيّنُ حقوقَهُ وواجباتِهِ معَ جميعِ الخلقِ، معَ والديهِ وأرحامِهِ، بلْ حتىٰ مع شانئيهِ وأعدائِهِ.

يؤدّبُ عبادَهُ أعظمَ الأدبِ وأكملَهُ، يُعلّمُهم آدابَ البيوتِ، والمجالسِ، والحديثِ، فترىٰ فيهِ آياتٍ عن الاستئذانِ والنَّجوىٰ، وآياتٍ تؤدّبُ الأفعالَ والأقوالَ، وتهذِّبُ الأسماعَ والأبصارَ، وتَضبِطُ الخطُواتِ والأصواتَ.

ثمّ من عظمتِهِ أنَّ هذهِ المعانيَ التامّةَ العادلةَ الكاملةَ جاءتْ بأكملِ الألفاظِ وأبينِها وأحسنِها، وأجملِ الأساليبِ وأعذبِها، بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، لا عِيَّ فيهِ ولا زللَ، لا يأتيهِ الباطلُ ولا الزَّيفُ والخللُ.

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعد:

يقول النبيُّ ﷺ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ».سنن أبي داود (٤٨٤٣)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (٩٨). (٧)

إنَّ من تعظيمِ اللهِ تعظيمَ القرآنِ وما اتّصلَ بهِ حتىٰ حملتَهُ، ووجوهُ تعظيمِهِ لا تُعدُّ.

وإنَّ تعظيمَ القرآنِ يكونُ بالإيمانِ بهِ، وتصديقِ أخبارِهِ، واعتقادِ كمالِهِ وتمامِهِ، وأنَّهُ لا نقصَ فيهِ ولا اختلافَ ولا اضطرابَ، واعتقادِ شمولِهِ وعمومِهِ وكفايتِهِ، والاستسلامِ التامِّ لحُكمِهِ وشرائعِهِ، والتَّحاكمِ إليهِ كلِّهِ، دونَ أدنىٰ حرَجٍ أو اعتراضٍ، وتقديمِهِ علىٰ كلِّ قولٍ ورأيٍ، وعدمِ تحريفِ دِلالاتِهِ، أو الإلحادِ في آياتِهِ، أو معارضةِ بعضِهِ ببعضٍ، أو ضربِهِ بالسُّنّةِ التي جاءتْ تُبيّنُهُ وتَدُلُّ عليهِ.

ومن تعظيمِ القرآنِ جعلُهُ منهجَ الحياةِ، وسبيلَ النجاةِ، ومرجِعَ الأفكارِ، ومؤسِّسَ القيمِ.

ومن تعظيمِ القرآنِ مسُّهُ علىٰ طهارةٍ، وتلاوتُهُ علىٰ أكملِ الوجوهِ وأحسنِها، يُجَوّدُ المسلمُ حروفَهُ، ويعرفُ وُقوفَهُ، ويتعلَّمُ تفسيرَهُ وأحكامَهُ، ويتدبَّرُ آياتِهِ، ولا يتكلَّمُ فيهِ إلا بعلمٍ وبيِّنةٍ، إنْ سمِعَهُ أنصَتَ لهُ، وإنْ ذُكِّرَ بهِ لمْ يتجاوَزْهُ.

ومن تعظيمِهِ النصيحةُ لهُ، بالدَّعوةِ بهِ وإليهِ، والقيامِ بهِ والدفاعِ عنهُ، وتزكيةِ النفوسِ بهِ، وتربيةِ النَّشْءِ عليهِ.

إنَّنا في شهرِ القرآنِ، وحريٌّ بنا أنْ نجعلَ هذهِ الأيامَ واللياليَ انطلاقةَ الحياةِ بالقرآنِ، نسمَعُهُ ونتلوهُ حقَّ تلاوتِهِ، نقيمُهُ ونعملُ بهِ، حتىٰ نكونَ من أهلِ القرآنِ الذينَ يَشفعُ لهمْ يومَ القيامةِ عند الملكِ الديّانِ.

اللهمَّ اجعلِ القرآنَ ربيعَ قلوبِنا، ونورَ صدورِنا، وجِلاءَ أحزانِنا، وذهابَ هُمومِنا.

اللهمَّ اجعلْنا مِمَّنْ عظَّمَ القرآنَ حقَّ تعظيمِهِ، وأقامَ حروفَهُ، وتدبَّرَ معانيَهُ، وحفِظَ حدودَهُ، وعمِلَ بهِ، وتلاهُ حقَّ تلاوتِهِ.

اللهمَّ بارِكْ لنا في رمضانَ، وأعنَّا فيهِ على الصَّلاةِ والصِّيامِ وتلاوةِ القرآنِ، وتقبَّلْ منَّا يا رحمنُ.

اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ.

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

شارك المحتوى: