عنوان الخطبة: اللحظة الأخيرة.. حسن الخاتمة وسوء الخاتمة.
عناصر الخطبة:
١- لماذا وجلت قلوب الصالحين من الخواتيم؟
٢- معنى حسن الخاتمة وسوء الخاتمة.
٣– السبيل لحسن الخاتمة.
٤- الخواتيم ميراث السوابق.
الحمدُ للهِ العزيزِ الرّحيمِ، يُوفِّقُ من يشاءَ برحمتِهِ، ويخذُلُ من يشاءَ بعدلِهِ، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عبادَ الله:
صورتانِ متضادّتان: صورةٌ منيرةٌ مُضيئة، وأخرى مُظلِمَةٌ كاللَّيلِ البَهِيمِ.
أمّا الصُّورةُ المنيرة: فقد مرَّ النبيُّ ﷺ معَ أصحابِهِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ نَاشِرًا التَّوْرَاةَ يَقْرَؤُهَا عَلَى ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ، وكان مَن أَجْمَلِ الْفِتْيَانِ، فَقَالَ لَهُ ﷺ: «أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِكَ ذَا: صِفَتِي وَمَخْرَجِي»، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا -يعني: لَا-، فَقَالَ ابْنُهُ: إِنِّي وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ! فَقَالَ ﷺ: «أَقِيمُوا الْيَهُودَ عَنْ أَخِيكُم»، ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ وَحَنَّطَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ. مسند أحمد (٢٣٤٩٢)، وصححه الألباني في السِّلسلة الصّحيحة (٣٢٦٩). (١)
وصُورةٌ مُظلمةٌ قاتمة: يحدثنا عنها أبو هريرة رضي الله عنه فيقُول: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الَّذِي قُلْتَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ اليَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِلَى النَّارِ»، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ! أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ!»، ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ». صحيح البخاري (٣٠٦٢)، وصحيح مسلم (١١١). (٢)
إنّـهما حُسنُ الخاتمةِ، وسوءُ الخاتمةِ.
أما واللهِ لا سواءٌ، كما قالَ ربُّ الأرضِ والسَّماءِ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[الجاثية: ٢١].
أمرَ اللهُ عبادَهُ أن يَّعبدوهُ وحدَهُ لا شريكَ له، فمنهم مَن آمنَ وثبَتَ واستقامَ، ومنهم مَن كفرَ وانتكسَ بعدَ إيمانٍ وإحسانٍ.
واللهُ عَدْلٌ بَرٌّ رحيمٌ، لا يُنزِلُ الأبرارَ منازلَ الفجَّارِ، ولا يجعلُ الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ كالمفسدينَ في الأرضِ، لا في الدنيا، ولا عندَ الموتِ، ولا في الآخرةِ.
إنَّ قلوبَ الأبرارِ معلَّقةٌ بالخواتيمِ.
أتدري لماذا وَجِلتْ قلوبُ الصالحينَ من الخواتيمِ؟
قال ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ». صحيح البخاري (٦٦٠٧). (٣)
أي إنَّ صلاحَها وفسادَها، وقَبولَها وردَّها، بِحَسَبِ الخاتمةِ، فكيفَ لا يخشى المؤمنُ بعدَ ذلك من سوءِ الخاتمةِ؟
ألم يقُل ﷺ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ». مسند أحمد (١٤٣٧٣)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٨٣). (٤)
في يومِ القيامةِ، حين يُبعثُ الخلائقُ، سترى من ينزِفُ جُرحُهُ دمًا لكنَّ ريحَهُ مسكٌ طيِّبٌ، ماتَ شهيدًا! وترى آخرَ يُلبِّي في أرضِ المحشَرِ: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيكَ، ماتَ مُحْرِمًا! وسترى آخرينَ على هيئةٍ قبيحةٍ، ماتوا عليها وبُعثوا عليها! ولا يظلِمُ ربُّكَ أحدًا.
لقد كانَ سيِّدُ الأنبياءِ محمدٌ ﷺ يتعوَّذُ باللهِ من سوءِ الخاتمةِ في كلِّ صلاةٍ، يقول: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالـمَمَاتِ». رواه البخاري (٨٣٢)، ومسلم (٥٨٩). (٥)
أتدري لماذا يتعوَّذُ النبيُّ ﷺ من الفتنةِ عند المماتِ؟
لأنَّ الشيطانَ اللّعينَ لا يتركُ الإنسانَ حتى عندَ موتِهِ، يأتيهِ فيتخبَّطُهُ، يُريدُ أن يُنسِيَهُ «لا إلهَ إلا اللهُ»، يُخوِّفُهُ من لقاءِ اللهِ، يُلقي إليهِ الوساوسَ، يُريدُ أن يُضِلَّهُ في اللَّحظةِ الأخيرةِ حتى يُختمَ لهُ بشرٍّ.
لذا كانَ من دعاءِ النبيِّ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ». سنن أبي داود (١٥٥٢)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١/٤٢٥). (٦)
عبادَ اللهِ:
إنَّ معنى حُسنِ الخاتمةِ أن يموتَ الإنسانُ على الإسلامِ، على اليقينِ السَّالمِ من الشكِّ والرَّيبِ.
لقد أمرَنا ربُّنا أن نَثبُتَ على الإسلامِ حتى نلقاهُ، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: ١٠٢].
وبذلك وصَّى يعقوبُ بنيه فقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[البقرة: ١٣٢].
وبذلك دعا يوسفُ عليه السلام فقال: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[يوسف: ١٠١]، ودعا سَحَرةُ فِرعَونَ لمّا آمَنُوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ[الأعراف: ١٢٦]، ودعوةُ أولي الألباب: رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ[آل عمران: ١٩٣].
حُسنُ الخاتمةِ: أن يُوفِّقَ اللهُ عبدَه لعملٍ صالحٍ قبلَ موتِهِ، ثم يَقبضَهُ عليه.
يُوفِّقُهُ لصلاةٍ، لصومٍ، لصدقةٍ، لحجٍّ أو عُمرةٍ، لغزوٍ في سبيلِ اللهِ، لقولِ الحقِّ وإنكارِ المنكرِ، لصِلةِ رحمٍ أو تلاوةِ قرآنٍ أو معونةِ مسكينٍ، ثم يَختِمُ لهُ عُمُرَهُ بهِ.
يقول النبيُّ ﷺ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ». مسند أحمد (٢٣٣٢٤)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص٤٣). (٧)
ويقول ﷺ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ». قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَال: «يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ». مسند أحمد (١٧٧٨٤)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١١١٤) (٨). شبَّهَ ﷺ خاتمتَهُ الحسنةَ بحلاوةِ العسلِ، وأنعِمْ بها من حلاوةٍ!
عبادَ اللهِ:
ما السّبيلُ لتوفيقِ اللهِ إلى حُسنِ الخاتمةِ والنجاةِ من سوءِ الخاتمةِ؟
إنَّ من أعظمِ أسبابِ حُسنِ الخاتمةِ أن يحيا الإنسانُ على عقيدةِ التوحيدِ ويعيشَ على السُّنَّةِ، متَّبعًا الإسلامَ ومنهجَهُ، ومن أخطرِ أسبابِ سوءِ الخاتمةِ فسادُ المعتقَدِ، أو أن يعيشَ الإنسانُ على البدعِ، أَو مُعرِضًا عن منهجِ الإسلامِ، منقادًا خلفَ مناهجِ أهلِ الضلالِ والخِذلانِ، كالقبوريةِ الوثنيَّةِ، أو المذاهبِ اللادينيةِ، كالإلحادِ والعَلمانيةِ والليبراليةِ والنِّسويّة.
من أعظمِ أسبابِ حُسنِ الخاتمةِ الاستقامةُ على الطّاعةِ، يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[فصلت: ٣٠].
ومن أخطرِ أسبابِ سُوءِ الخاتمةِ الإصرارُ على كَبائرِ الذنوبِ، والـجُرأةُ على المحرّمات، فإنَّها تغلِبُ على العَبدِ حتى يُخشى أن يُـمكَرَ به عندَ الموتِ، فربّما مَاتَ على كبيرةٍ، وحِيلَ بينَهُ وبينَ التوبةِ، إذْ كيفَ لعبدٍ عاشَ في مستنقَعِ الزِّنى، أو خُبْثِ الرِّبا، أو ظُلمِ العبادِ وأَكلِ أموالِهم وانتهاكِ أعراضِهم وإزهاقِ أرواحِهم وأصرَّ على ذلكَ؛ أن يُختَمَ لهُ بخيرٍ؟
ومن أعظمِ أسبابِ حُسنِ الخاتمةِ الصّدقُ معَ اللهِ، ومن أخطرِ أسبابِ سوءِ الخاتمةِ الإيمانُ الكاذبُ، كحالِ المنافقينَ الذينَ يُخادعونَ اللهَ وهو خادعُهم.
ألم يَقُلِ اللهُ تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[التوبة: ٧٥-٧٧].
أبْطَنوا الكذِبَ ولم يَصْدُقوا مع الله، فلازَمَهُم النفاقُ حتى ماتوا عليه.
وهنا أمرٌ يحتاج إلى بيانٍ:
لقَد ثبَتَ عنِ النَّبيِّ ﷺ أنَّه قال: «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا: بِمَ يُخْتَمُ لَهُ؟ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا سَيِّئًا. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا». مسند أحمد (١٢٢١٤)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٣٣٤). (٩)
هل يعني ذلك أنَّه قد يكونُ العبدُ مؤمِنًا صادقًا صالحًا ثم يُختَمُ له بالسُّوء؟
حاشا لله! إن اللهَ أرحمُ الراحمين، الشَّكورُ الـحَلِيم، لا يَمْكُرُ إلا بالظالمين، ولا يُضِلُّ إلا الفَاسِقِين، أمَّا الصَّادقونَ فإنَّه يَخْتِمُ لهم بالسَّعادة والفَوزِ المبين.
لقد أوضحَ النبيُّ ﷺ الضّابطَ فقال: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ». صحيح البخاري (٢٨٩٨)، وصحيح مسلم (١١٢). (١٠)
قال العلماءُ: إن الخواتيمَ ميراثُ السَّوابِق، وخاتمةُ السوء تكون بسبَبِ دَسِيسَةٍ باطنةٍ للعبد لا يعلمُها إلّا ربُّ العالمين، فنسألُ الله العفوَ والعافية.
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
عبادَ الله:
ألا يمكنُ للعبدِ أن يُصلِحَ ما فاتَ؟
ما أعظمَ اللهَ التَّوّابَ! فتحَ لعبادِهِ بابَ الإيَابِ، فمن تابَ لربِّهِ تابَ عليهِ، وفرِحَ بهِ، وأسبغَ عليهِ رَحَماتِهِ ووُدَّهُ.
أيُّها الشاردُ عن ربِّكَ! الغارقُ في بحارِ الغَفَلاتِ! عُدْ إلى رُشدِكَ، وتُبْ إلى ربِّ البريَّاتِ! يُصلِحْ لكَ كلَّ ما فاتَ!
أوَلمْ تسمعْ عن ذاكَ الذي قتلَ مِئةَ نفسٍ، فلمّا صدقَ مع اللهِ في توبتِهِ تابَ عليهِ وأحاطتْ بهِ ملائكةُ الرحمةِ، وتحرّكتْ لأجلِهِ الأرضُ، وغفرَ اللهُ لهُ الزلَّاتِ.
اللهمَّ اجعَلْ خَيرَ أعمالِنَا آخِرَهَا، وخيرَ أيّامِنَا يومَ نلقَاك، ووفِّقنَا لتوبةٍ نَصوحٍ تَمحُو بها ذُنُوبَنَا، وتُسَدِّدُ بِها مَسِيرَنَا.
اللهمَّ نجِّ عبادَك المستضعَفين في غزّةَ وفي كلّ مكان، وفرِّج عن المكروبين من المؤمنين، وانصُر عبادَك الموحِّدِين على الصَّهَايِنَةِ الـمُجرمِين.
اللّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمّتَنا وُولاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.