عنوان الخطبة: الوهن
عناصر الخطبة:
١- العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
٢– أسباب العز والذل والوهن.
٣- أصل داء الذلّ والوهن.
الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الحَكِيم، مُعِزِّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاه، وَمُذِلِّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَعَصَاه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، القَائِلُ سُبْحَانَه: «الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعِزَّةُ إِزَارِي»، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا:
أَمّا بَعْد:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ الله:
لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ (أَي: مَـمَرٌّ فِيهِ مَاءٌ يَحتَاجُ أَنْ يَخوَضَ فِيه)، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ خُفَّيْهِ فَأَمْسَكَهُمَا، وَخَاضَ الـمَاءَ وَمَعَهُ بَعِيرُه، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْه: لَقَدْ صَنَعْتَ اليَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الأَرْض! فَصَكَّ عُمَرُ فِي صَدْرِهِ وَقَال: «أَوَّهْ! - يَمُدُّ بِهَا صَوْتَه - لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا يَا أَبَا عُبَيْدَة! إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاس، وَأَقَلَّ النَّاس، وَأَحْقَرَ النَّاس، فَأَعَزَّكُمُ اللهُ بِالإِسْلَام، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا العِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللهُ».
إِخْوَةَ الإِسْلَام:
مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَتَبْحَثُ عَنْ كَرَامَتِهَا وَعِزَّتِهَا، وَتَأْنَفُ مِنْ هَوَانِهَا وَذِلَّتِهَا، وَيَذْهَبُ النَّاسُ كُلَّ مَذْهَبٍ بَحْثًا عَنْ أَسْبَابِ العِزَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالرِّفْعَةِ وَالسِّيَادَة، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأُمَّةِ الإِسْلَامِ أَنْ تَحْيَا كَرِيمَةً عَزِيزَةً إِلَّا مَتَى حَقّقَتِ الإِيمَانَ بِالله، وَأَسْلَمَتْ لِأَمْرِه، وَانْقَادَتْ لِشَرْعِه.
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ العَزِيز، وَرَبُّ العِزَّة، وَهُوَ وَحْدَهُ مَنْ يُعِزُّ وَيُذِلّ، لَهُ العِزَّةُ جَمِيعًا، يَخْفِضُ وَيَرْفَع، وَقَدْ أَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ عَنْ سَبِيلِ العِزَّةِ وَالكَرَامَة، وَسَبِيلِ الذِّلَّةِ وَالـمَهَانَةِ فَقَال: وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
فَالـمُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاءُ الله، وَهُمْ أَهْلُ العِزَّة، وَالكَافِرُونَ أَعْدَاءُ الله، وَهُمْ أَهْلُ الذِّلَّة.
وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُثْنِي عَلَى رَبِّهِ فِي دُعَاءِ القُنُوتِ فَيَقُول: «إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَهْلُ العِزَّةِ وَأَصْحَابُهَا هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاسْتَسْلَمُوا لِشَرْعِه، أَمَّا الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَهُ وَجَانَبُوا دِينَهُ وَشَرْعَهُ فَأُولَئِكَ أَهْلُ الصَّغَارِ وَالذِّلَّة، قَالَ سُبْحَانَه: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.
وَإِذَا كَانَتِ العِزَّةُ لِلْمُؤْمِنِين، فَكَثِيرٌ مِنَّا يَتَسَاءَل: كَيْفَ أَحَاطَ بِنَا الذُّلُّ وَالهَوَانُ لِهَذِهِ الدَّرَجَة؟
كَيْفَ تَدَاعَتْ عَلَيْنَا الأُمَم؛ فَصِرْنَا كَالأَيْتَامِ عَلَى مَوَائِدِ اللِّئَام؟
كَيْفَ صَارَ أَقْصَانا أَسِيرًا كُلَّ هَذِهِ السِّنِينَ الطِّوَال؟
كَيْفَ أُرِيقَتْ دِمَاؤُنَا بِكُلِّ هَذِهِ الوَحْشِيَّةِ وَالبَشَاعَةِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَد؟
عِبَادَ اللهِ:
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سُنَنٌ كَوْنِيَّةٌ لَا تُحَابِي أَحَدًا، فَإِنّهُ يَرْضَى وَيَسْخَط، وَيَحْلُمُ وَيَغْضَب، فَإِذَا فَعَلَتِ الأُمَّةُ مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ العُقُوبَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ عَاقَبَهَا بِبَعْضِ ذُنُوبِهَا، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى رَبِّهَا وَدِينِهَا.
لَقَدْ أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا ﷺ عَنْ أَسْبَابِ الذِّلَّةِ: فَقَال: «وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي». أَخْرَجَهُ أَحْمَد.
فَالكَرَامَةُ وَالعِزُّ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَن، وَالشُّؤْمُ وَالذُّلُّ فِي مَعْصِيَتِهِ وَالإِعْرَاضِ عَنْ أَمْرِه، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ الله: «إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ البِغَال، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ البرَاذِين (أَي: مَهْمَا رَكِبُوا مِنْ أَفْخَرِ المَرَاكِب)، فَإِنَّ ذُلَّ المَعْصِيَةِ فِي رِقَابِهِم، أَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُّذِلَّ مَنْ عَصَاه!».
فَانْظُرْ إِلَى نَفْسِكَ أَيُّهَا الـمُسْتَمِعُ وَانْظُرْ حَوْلَكَ إِلَى جُمُوعِ الأُمَّةِ؛ أَيْنَ أَنَا وَأَنْتَ وَجَمَاهِيرُ الـمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ فِي جَميعِ شُؤُونِ الحَيَاة؟
إِنّ أَكْثَرَ الـمُسْلِمِينَ اليَوْمَ يَعِيشُ حَالَةَ انْتِقَاءٍ مِنْ أَحْكَامِ الإِسْلَام، يَأْخُذُ مِنْهَا مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُ وَيُحَقِّقُ مَصَالِحَهُ فِي الظَّاهِر، فَإِنْ عَارَضَ شَيْءٌ مِنْهَا مَصَالِحَهُ الدُّنْيَوِيَّةَ وَمَنَافِعَهُ الشَّخْصِيَّةَ أَلْقَى بِهَا خَلْفَ ظَهْرِه، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الخِزْيِ وَالذُّلِّ وَالهَوَان.
أَلَمْ يُخْبِرْنَا اللهُ تَعَالَى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَيْفَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِك، فَأَذَاقَهُمُ اللهُ الخِزْيَ وَالذُّلَّ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا؟
قَالَ سُبْحَانَهُ مُنْكِرًا عَلَيْهِم: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون.
تَأَمَّلْ فِي بُيُوعِ النَّاسِ اليَوْم، تَأْمَّلْ فِي حَيَاتِهِمُ الاجْتِمَاعِيَّة، وَفِي شُؤُونِهِمُ السِّيَاسِيَّة، هَلْ يَنْطَلِقُونَ مِنْ شَرِيعَةِ الرَّحْمَن؟ أَمْ مِنَ الهَوَى وَالعُرْفِ وَالـمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّة؟
اُنْظُرْ إِلَى الرِّبَا وَالرِّشَا، وَالـمَيْسِرِ وَالقِمَار، كَيْفَ عَمَّ أَكْثَرَ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ اليَوْم!
اُنْظُرْ إِلَى العَلَاقَاتِ الـمُحَرَّمَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء، كَيْفَ أَصْبَحَ الـمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَصَارَتِ الدِّيَاثَةُ نَوْعًا مِنَ الذَّوْقِ الرَّفِيع!
اُنْظُرْ إِلَى مَحَاكِمِ الـمُسْلِمِينَ اليَوْمَ وَقَوَانِينِهِم؛ أَهِيَ مُسْتَقَاةٌ مِنَ الوَحْيِ الـمَعْصُوم؟ أَمْ مِنْ أَفْكَارِ الإِنْسَانِ الجَهُولِ الظَّلُوم؟
إِنَّ مُخَالَفَةً وَاحِدَةً يَوْمَ أُحُدٍ كَانَتْ سَبَبًا لِفَقْدِ النَّصْرِ بَعْدَ تَحَقُّقِه، فَتَسَاءَلَ الصَّحَابَةُ كَيْفَ حَدَثَ لَنَا هَذَا؟ فَأَجَابَ القُرْآنُ عَنْ سُؤَالِهِمْ حَيْثُ قَالَ الله: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الـمُسْلِمِين، وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ رَدًّا جَمِيلًا.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيم، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيم، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوه، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ وَحدَه، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَه، أَمَّا بَعْد:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى.
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:
إِنَّ الذُّلَّ وَالهَوَانَ ضَرِيبَةُ الـحَيْدَةِ عَنْ شَرْعِ الله، وَلَكِنْ أَيْنَ مَكْمَنُ العِلَّةِ وَأَصْلُ الدَّاء؟
لَقَدْ بَيّنَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ حِينَ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ عَمَّا وَقَعَ مِنْ هَزِيمَةٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَال: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ.
إِنّ أَصْلَ الدّاءِ هُوَ إِرَادَةُ الدُّنْيَا بِشَهَوَاتِهَا وَمَلَذَّاتِهَا، وَإِيثَارُهَا عَلَى مَرْضَاةِ اللهِ سُبْحَانَه، فَإِنَّ العَبْدَ مَتَى مَلَكَتِ الدُّنْيَا قَلْبَه، تَسَلَّطَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَأَثَّرَ فِيه، حَتَّى قَدْ يَصِيرُ عَبْدًا لَه، فَلَا يُبَالِي بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ.
وَلَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ العَلَاقَةَ الخَطِيرَةَ بَيْنَ الِانْكِبَابِ عَلَى الدُّنْيَا وَالوُقُوعِ فِي الهَوَانِ وَالذُّلّ، فَقَال: «إِذَا تَبايَعْتُمْ بالعِينَة، وأَخَذْتُمْ أذْنَابَ البَقَر، ورَضِيتُمْ بالزَّرْع، وتَرَكْتُمُ الجِهاد، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُم ذُلًّا لا يَنْزِعُه حَتَّى تَرْجِعوا إلَى دِينِكُم» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
يُخْبِرُنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الوُقُوعَ فِي البُيُوعِ الرِّبَوِيَّةِ الـمُحَرَّمَة، وَالتَّحَايُلَ عَلَى الشَّرْع، وَالِانْشِغَالَ بِالدُّنْيَا عَنْ وَاجِبِ الـجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ سُبْحَانَه، أَسْبَابٌ لِذُلٍّ لَا يُرْفَع، وَهَوَانٍ لَا يُنْزَع، حَتَّى تَرْجِعَ الأُمَّةُ إِلَى دِينِهَا.
وَهَذَا هُوَ الوَهْنُ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ، وَهْنٌ لَيْسَ سَبَبُهُ قِلَّةَ عَدَدٍ أَوْ نَقْصَ عُدّةٍ، بَلْ سَبَبُهُ عُبُودِيّةُ الدُّنْيَا، الَّتِي تَحْمِلُ العَبْدَ عَلَى إِيثَارِهَا عَلَى مَرْضَاةِ اللهِ وَكَرَاهَةِ الـمَوْتِ فِي سَبِيلِه.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَال: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْل، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الـمَهَابَةَ مِنْكُم، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّه! وَمَا الوَهْن؟ قَال: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الـمَوْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
فَشَتَّانَ بَيْنَ عَبْدٍ لِلرَّحْمَن، لَا يَخْضَعُ وَلَا يَنْقَادُ وَلَا يَذِلُّ إِلَّا للهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، لَا يُؤْثِرُ أَحَدًا عَلَيْه، وَبَيْنَ آخَرَ اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَان، تَشَاحَّ فِيهِ الشُّرَكَاء، وَتَنَازَعَتْهُ الأَهْوَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَصَارَ عَبْدًا لِدِرْهَمٍ وَدِينَار، أَوْ مُسْتَرَقًّا لِمَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ.
إِنَّ الـمَعْرَكَةَ الكُبْرَى مَعَ اليَهُودِ آتِيَةٌ لَا مَحَالَة، وَلَنْ يَثْبُتَ فِيهَا وَيَنْتَصِرَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَبْدَ اللهِ حَقًّا، فَآثَرَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاه.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الـمُسْلِمُونَ اليَهُود، فَيَقْتُلُهُمُ الـمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَر، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَر: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الـمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
اللَّهُمَّ انْصُرِ الـمُجَاهِدِينَ فِي فِلَسْطِين، سَدِّدْ رَمْيَهُم، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُم، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِم، اللَّهُمَّ أَنْجِ الـمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَرْضِ فِلَسْطِين، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِك، وَاشْفِ جَرِيحَهُم، وَتَقَبَّلْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي الشُّهَدَاءِ عِنْدَكَ يَا كَرِيم، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ الـمُعْتَدِين، فَرِّقَ جَمْعَهُم، وَأَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَاهْزِمْهُم، وَأَلْقِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِم، هُمْ وَمَنْ عَاوَنَهُم، بِقُدْرَتِكَ يَا قَوِيُّ يَا مَتِين، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.
عِبَادَ الله: اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَآخَرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.
