عنوان الخطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأحكام
عناصر الخطبة:
١- أهمية اغتنام العمر في الخيرات.
٢- من حكمة الله في المفاضلة بين الأزمنة.
٣- فضل أيام عشر ذي الحجة.
٤- أهم أعمال العشر.
الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي يَصطَفِي مِنَ الأَيَّامِ وَالشُّهُورِ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ، وَيَختَصُّ مِنَ الأَزمَنَةِ بِالفَضَائِلِ ما يُرِيدُ؛ رَحمَةً مِنهُ وَتَذكِرَةً لِأَولِي الأَبصَارِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ العَزِيزُ الغَفَّارُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ المُصطَفَى المَختَارُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحبِهِ مَا تَعَاقَبَ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ. أمّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- حَقَّ التَّقوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرّ وَالنَّجوَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَقَد جَعَلَ اللَّهُ الأَيَّامَ مُستَودَعًا لِلطَّاعَاتِ، وَمَحَلًّا لِلقُرُبَاتِ، وَجَعَلَ اللَّيلَ وَالنّهَارَ خِلفَةً لِمَن أَرَادَ ان يَذّكّرَ أَو أَرَادَ شُكُورًا.
وَإِنّ مِن مِنّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبدِهِ المُؤمِنِ أَن يُوَفّقَهُ لِاغتِنَامِ فُرَصِ العُمُرِ، فَالعُمُرُ يَمضِي وَيَنصَرِمُ، وَلَيسَ لِابنِ آدَمَ مِنهُ إِلَّا مَا استَودَعَهُ فِيهِ مِن صَالِحِ العَمَلِ، قَالَ تَعَالَى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدّتْ لِلمُتَّقِينَ.
فَالسّعِيدُ مَن استَغَلَّ الأَوقَات، وَازدَادَ فِي مَوَاسِمِ الخَيرِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَتَعَرَّضَ فِيهَا لِنَفَحَاتِ الرَّحَمَاتِ، فَاللَّيلُ وَالنَّهَارُ لَا يَنتَظِرَانِ، بَل يَتَعَاقَبَانِ وَلَا يُفتَرَانِ، وَالعُمُرُ أَمَانَةٌ سَيُسأَلُ العَبدُ عَنهَا يَومَ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ ﷺ: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ؛ فِيمَ أَفناهُ؟ وعَن عِلمِه؛ فِيمَ فَعَلَ؟ وعَن مَالِه؛ مِن أَين اكتَسَبَه؟ وفِيمَ أَنفَقَه؟ وعَن جِسمِهِ؛ فِيمَ أَبلاهُ؟». جامع الترمذي (٢٤١٧)، من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١٢٦). (١)
وَقَالَ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ». المستدرك للحاكم (٧٨٤٦)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (٣٣٥٥). (٢)
عِبَادَ اللَّهِ:
إِنَّ مِن حِكمَةِ اللَّهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ فَاضَلَ بَينَ الأَيَّامِ، فَمَنَّ عَلَينَا بِمَوَاسِمَ لِلعِبَادَةِ، ضَاعَفَ فِيهَا الأُجُورَ، وَشَرَعَ فِيهَا أَنوَاعَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، لِيَزدَادَ المُؤمِنُونَ رِفعَةً فِي دَرَجَاتِهِم، وَيَستَدرِكَ المُقَصِّرُونَ مَا فَاتَ مِن زَلَاتِهِم.
وَمِنَ الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ الَّتِي أَعلَى اللَّهُ شَأنَهَا، وَعَظَّمَ أَمْرَهَا: أَيَّامُ عَشرِ ذِي الحِجَّةِ، فَهِيَ أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ، لَيسَ فِي الأَيَّامِ مَا يُمَاثِلُهَا، وَلَا فِي أُجُورِ الأَعمَالِ مَا يَعدِلُهَا.
أَقسَمَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا بِهَا فَقَالَ: وَالفَجرِ وَلَيَالٍ عَشرٍ. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إنّ الليالي العَشر التي أقسم الله بها، هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة» رواه الطبري في تفسيره (٢٤/٣٤٥)، وصحح إسناده ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف (ص٢٦٨) (٣)
وَهِيَ الأَيَّامُ المَعلُومَاتُ الَّتِي أَخبَرَ اللَّهُ عَنهَا بِقَولِهِ: ﴿لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ﴾. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَيَّامُ العَشرِ. ذكره البخاري في صحيحه (٢/٢٠) عن ابن عباس معلقا بصيغة الجزم، وأخرجه موصولا البيهقي في معرفة السنن والآثار (١٠٨٧٢)، بإسناد صحيح. (٤)
وَقَد خَصَّ اللَّهُ هَذِهِ الأَيَّامَ بِأُجُورٍ كَبِيرَةٍ، وَرَتّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ فِيهَا خَيرَاتٍ كَثِيرَةً، فَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنهُ فِي غَيرِهَا، قَالَ ﷺ: «مَا مِنْ أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلى اللهِ مِن هَذهِ الأيَّامِ العَشرِ. قَالوا: يا رَسُولَ اللهِ! ولا الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ: ولا الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرجِع مِن ذَلِكَ بِشَيءٍ».جامع الترمذي (٧٥٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في إرواء الغليل (٨٩٠)، والحديث أصله في البخاري (٩٢٦). (٥)
وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مِن عَمَلٍ أَزكَى عِندَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا أَعظَمَ أَجرًاً مِن خَيرٍ يَعمَلُهُ فِي عَشرِ الأَضحَى». سنن الدارمي (١٨١٥)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (٣/٣٩٨). (٦)
وَقَد خُصَّتْ هَذِهِ الأَيَّامُ الفَوَاضِلُ بِهَذِهِ الفَضَائِلِ لِاجتِمَاعِ أُمَّهَاتِ العِبَادَةِ فِيهَا؛ مِن صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي غَيرِهَا، وَلِأَنَّ فِي أَيَّامِهَا مَا لَيسَ فِي مِثلِهَا.
فَاليَومُ الثَّامِنُ مِنهَا هُوَ يَومُ التَّروِيَةِ، مُبتَدَأُ أَعمَالِ الحَجِّ، فِيهِ يُهِلّ الحُجَّاجُ وَيُلَبُّونَ، وَمِنهُ إِلَى مِنَى وَعَرَفَةَ يَنطَلِقُونَ.
وَاليَومُ التَّاسِعُ مِنهَا هُوَ يَومُ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَومٌ عَظِيمٌ، قَالَ عَنهُ ﷺ: «مَا مِنْ يَومٍ أَكثَرُ مِن أَنْ يُعتِقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبدًا مِن النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»، صحيح مسلم (١٣٤٨)، من حديث عائشة رضي الله عنها. (٧) وَقَالَ ﷺ: «خَيرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ». جامع الترمذي (٣٥٨٥)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٨٣٧). (٨)، وَصِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ قال فيه النبي ﷺ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» صحيح مسلم (١١٦٢)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. (٩)
وَاليَومُ العَاشِرُ مِن هَذِهِ العَشرِ هُوَ يَومُ النَّحرِ، وَقَد قَالَ ﷺ: «إِنَّ أَعظَمَ الأَيَّامِ عِندَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَومُ النَّحرِ» سنن أبي داود (١٧٦٧)، من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (١٩٥٨). (١٠)
فَهِيَ -كَمَا نَرَى- أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ، وَأَوقَاتٌ بِالخَيرِ عَامِرَةٌ، فَاَللَّهَ اللَّهَ فِي الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوبَةِ وَالِاجتِهَادِ فِي هَذِهِ الأَزمِنَةِ المُبَارَكَةِ الفَاضِلَةِ: وَتَزَوّدُوا فَإِنّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعنَا بِمَا فِيهِ مِن الآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم فَاستَغفِرُوهُ، فَيَا فَوزَ المُستَغفِرِينَ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، وَبَعدُ:
عِبَادَ اللَّهِ:
إِنّ مِنْ أَعظَمِ الأَعمَالِ الَّتِي يَنبَغِي لِلعَبدِ أَنْ يَحرِصَ عَلَيهَا فِي هَذِهِ العَشرِ: تَجدِيدَ النِّيَّةِ وَإِخلَاصَ العَمَلِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَيَحرِصُ العَبدُ كُلَّ الحِرصِ أَن تَكُونَ سَكَنَاتُهُ وَحَرَكَاتُهُ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وَتَكُونَ أَعمَالُهُ مُرَادًا بِهَا وَجهُهُ سُبحَانَهُ، مُتَّبِعًا فِيهَا سُنَّةَ نَبِيِّهِ ﷺ، قَالَ تَعَالَى في الحَديثِ القُدسِيّ: «أَنَا أَغنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّركِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أَشرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيرِي تَرَكتُهُ وَشِركَهُ» صحيح مسلم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١١)
وَمِمَّا يُشرَعُ مِن الأَعمَالِ فِي هَذِهِ العَشرِ: المُحَافِظَةُ عَلَى الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدسِيّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ...» صحيح البخاري (٦٥٠٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٢)
وَمِمَّا يُشرَعُ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ العَشرِ: الصِّيَامُ، قَالَت حَفصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: «أَربَعٌ لَم يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالعَشرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ، وَالرَّكعَتَينِ قَبلَ الغَدَاةِ».رواه أبو داود في سننه (٢٤٣٧)، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢١٠٦). (١٣)
وَمِمَّا يُشرَعُ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ: كَثرَةُ الذِّكرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّحمِيدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِن أَيَّامٍ أَعظَمُ عِندَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيهِ العَمَلُ فِيهِنَّ، مِن هَذِهِ الأَيَّامِ العَشرِ، فَأَكثِرُوا فِيهِنَّ مِن التَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّحمِيدِ». مسند أحمد (٥٤٤٦)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (٣/٣٩٩). (١٤)
(وَكَانَ ابنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا يَخرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشرِ يُكَبّرَانِ، وَيُكَبّرُ النَّاسُ بِتَكبِيرِهِمَا). ذكره عنهما البخاري في صحيحه (٢/٢٠)، معلقا بصيغة الجزم، وأخرجه موصولا الفاكهي في أخبار مكة (١٧٠٤)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (٦٥١). (١٥)
وَالتَّكبِيرُ النَّافِعُ، هُوَ مَا وَاطَأَ فِيهِ القَلبُ اللِّسَانَ، بِأَلّا يَكُونَ فِي القَلبِ أَكبَرُ مِن اللَّهِ فِي خَلقِهِ وَتَدبِيرِهِ، وَلَا أَحَدَ أَكبَرُ مِنهُ فِي حُكمِهِ وَتَشرِيعِهِ، وَلَا أَحَدَ أَكبَرُ مِنهُ فِي تَعظِيمِهِ وَتَمجِيدِهِ، وَلَا أَحَدَ أَكبَرُ مِنهُ فِي مَحَبّتِهِ وَخَشيَتِهِ، فَهَذَا تَكبِيرُ المُؤمِنِينَ الَّذِي يَملَأُ قُلُوبَهُم إِسلَامًا وَإِيمَانًا، وَيَزدَادُونَ بِهِ عَلَى الحَقّ ثَبَاتًا وَإِيقَانًا، وَيَنَالُونَ بِهِ مِن رَبّهِم فَضلًا وَرِضوَانًا.
وَمِمّا يُشرَعُ فِي هَذِهِ العَشرِ: الأُضحِيَةُ فِي يَومِ النَّحرِ، وَيُسَنُّ لِمَن أَرَادَ أَن يُضَحّيَ أَن لا يَأخُذَ مِن شَعرِهِ وَلَا أَظفَارِهِ شَيئًا مِن دُخُولِ شَهرِ ذِي الحِجَّة إِلَى أَن يُضَحّيَ، فَعَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا رَأَيتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَن يُضَحّيَ فَليُمسِكْ عَن شَعرِهِ وَأَظفَارِهِ حَتَّى يُضَحّيَ» صحيح مسلم (١٩٧٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٦)، وَفِي رِوَايَةٍ عِندَهُ أَيضًا: «فَلَا يَمَسَّ مِن شَعرِهِ وَبَشَرِهِ شَيئًا».
فَاستَعِينُوا بِاللَّهِ عَلَى اغتِنَامِ عَشرِكُم، وَجِدُّوا وَاجتَهِدُوا، فَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ، يَنقَضِي تَعَبُهَا، وَيَبقَى عَظِيمُ أَجرِهَا.
ثُمّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارزُقْنَا اغتِنَامَ المَوَاسِمِ الفَاضِلَةِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ المُقَرِّبِ إِلَيكَ، وَزَوِّدْنَا بِالتَّقوَى لِلقِيَامِ بَينَ يَدَيكَ، وَاغفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ، إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً، إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ، يَا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. اللَّهُمَّ ثَـبِّـتْنَا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.