عنوان الخطبة: آل البيت حقائق وحقوق.
عناصر الخطبة:
١- من هم آل بيت النَّبيِّ ﷺ؟
٢- فضائلهم وشرفهم وحقوقهم.
٣- وسطية أهل السُّنة فيهم.
٤- من بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه.
الحمدُ للهِ يَخلُقُ ما يَشاءُ ويَختارُ، ويَصطَفي منْ عِبادِهِ الأَطهارَ الأبرارَ، ويُنَزِّلُ غَضَبَهُ على الظَّلَمةِ الفُجَّارِ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُهُ ورَسولُهُ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تَسليمًا كثيرًا ما تعاقبَ الليلُ والنَّهارُ.
أما بعدُ، فاتَّقوا اللَّهَ عبادَ اللَّهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عبادَ الله:
تَركَ فينا النَّبيُّ ﷺ ثَقَلَيْنِ؟
فما هُما؟ ولماذا وَصَفَهُما بالثَّقلَيْنِ؟
وقفَ النّبيُّ ﷺ يومًا خطيبًا بين أصحابِه، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». صحيح مسلم (٢٤٠٨)، من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. (١).
كِتابُ اللهِ، وآلُ البَيْتِ.
رِعايَةُ حَقِّهِما مَسؤوليَّةٌ وَحِمْلٌ ثَقِيلٌ، فَسَمّاهُما ﷺ ثَقَلَيْنِ؛ إعْظامًا لِقَدْرِهِما، وَتَفْخيمًا لِحُرْمَتِهِما.
فَأمّا كِتابُ اللهِ فَهُوَ النّورُ وَالهُدى، وَحَبْلُ اللهِ المَمْدودُ، الَّذي مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ نَجا، وَمَن أَعْرَضَ عَنْهُ ضَلَّ، وَحَقُّهُ اتِّباعُهُ وَالاهْتِداءُ بِهِ وَالتَّحاكُمُ إلَيْهِ.
وَأمّا أَهْلُ بَيْتِ النَّبيِّ ﷺ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُمْ حُقوقًا عَلَى المُسْلِمينَ، أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ القِيامَ بِها.
فَمَن آلُ بَيْتِ النَّبيِّ ﷺ؟ وَما فَضائِلُهُم؟ ثُمَّ ما حُقوقُهُم؟
إنَّ آلَ بَيْتِ النَّبيِّ ﷺ هُم أَزْواجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ مِنْ بَني هاشِمٍ وَالمُطَّلِبِ ابْنَي عَبْدِ مَنافٍ.
إنَّ اللهَ هُوَ الَّذي جَعَلَ أَزْواجَهُ الطّاهِراتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ مِنْ آلِ بَيْتِهِ الشَّريفِ، فقال: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ إلى أن قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: ٣٢ - ٣٣].
وَها هُوَ نَبِيُّنا ﷺ في حادِثَةِ الإفكِ الَّتي تَوَلّى كِبْرَها المُنافِقونَ، يَقُومُ بَيْنَ أَصْحابِهِ فيقول: «مَنْ يَعْذِرُنَا فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا» صحيح البخاري (٢٦٣٧)، وصحيح مسلم (٢٧٧٠)، من حديث عائشة رضي الله عنها. (٢).
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ آلَ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَيَتَوَلّاهُم ثُمَّ وَجَدْتَهُ يُبْغِضُ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذّابٌ، زائِغٌ هالِكٌ.
ومِن أخَصِّ أهلِ البَيتِ عليُّ بنُ أبي طالب وزوجُه فاطمة بنتُ رسول الله ﷺ، والحسنُ والحسين، رضي الله عنهم، فَقَدْ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِمَزيدِ شَرَفٍ وَعَظيمِ فَضْلٍ، إذْ تَقُولُ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ (أي كساءٌ) مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: ٣٣]». صحيح مسلم (٢٤٢٤)، من حديث عائشة رضي الله عنها. (٣).
وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدا شَبابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قالَ فيهما النَّبِيُّ ﷺ: «هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» جامع الترمذي (٣٧٦٩)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (٢٩٦٦). (٤).
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ آلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ثُمَّ وَجَدْتَهُ يُعادي وَيُبْغِضُ عَلِيًّا أَوْ فاطِمَةَ أَوِ الحَسَنَ أَوِ الحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذّابٌ، زائِغٌ هالِكٌ.
عِبادَ الله:
إنَّ اللهَ تَعالى يَصْطَفِي مِنْ خَلْقِهِ ما يَشاءُ، وَيُودِعُ في عِبادِهِ مِنْ جَميلِ المَعْدِنِ وطيبِ الْأَصْلِ ما يَجْعَلُهُ أَهْلًا لِكُلِّ خَيْرٍ، وقَدِ اصْطَفى اللهُ بَني هاشِمٍ، وَاصْطَفى مِنْهُم نَبِيَّنا ﷺ، فَكانَتْ ذُرِّيَّتُهُ أَطْيَبَ عِبادِ اللهِ المُصْطَفَيْنَ.
قال النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». صحيح مسلم (٢٢٧٦)، من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. (٥).
وَآلُ النَّبِيِّ ﷺ لَهُم خَصائِصُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِم، فَلِكَرامَتِهِم وَشَرَفِهِم حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الزَّكاةَ الْواجِبَةَ.
يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ؛ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» صحيح مسلم (١٠٧٢)، من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه. (٦).
وجعلَ لهُم حقًّا معلومًا في الغَنائم، وهو خُمُسُ الخُمُس، يُقسَمُ بينهم بالعَدل، كما قال سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال: ٤١].
ولقَد أوجبَ الله لهم حقوقًا يجبُ مراعاتُها وأداؤُها موفورةً بمَحبّةٍ وإجلال.
فَمِنْ حُقوقِهِم: مَحَبَّتُهُم، وَإِكْرامُهُم، وَتَوْقيرُهُم، وَالصَّلاةُ عَلَيْهِم تَبَعًا لِلصَّلاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالصَّبْرُ عَلَى الأَذى إنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِم، وَاحْتِمالُ ذلِكَ مِنْهُ، وَالدُّعاءُ لَهُم، وَمَنْ كانَ مِنْهُم تَقِيًّا صالِحًا فَقَدِ اجْتَمَعَ لَهُ شَرَفُ الأَصْلِ وحُسْنُ العَمَلِ، وَمَنْ كانَ مِنْهُم عاصِيًا شارِدًا عاشَرَهُ المُسْلِمُونَ بِالأَدَبِ وَالمَعْرُوفِ وَالإِحْسانِ، وَوُعِظَ وَذُكِّرَ بِجَميلِ نَسَبِهِ وطيبِ مَعْدِنِهِ، وَأُقِيلَتْ عَثْرَتُهُ، فَإِنِ اعْتَدَى أَوْ جانَبَ الحَقَّ فَإِنَّ الحَقَّ أَحَبُّ إِلَيْنا مِنْهُ.
وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ قامَ بِحُقوقِهِم تَقَرُّبًا للهِ، وَحِفْظًا لِحَقِّ رَسُولِهِ ﷺ القائِلِ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِي مِنْ بعدي» السنة (١٤١٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٨٤٥) (٧).
وَقَدْ جاءَتِ الأحاديثُ الصَّحيحةُ تُبَرْهِـنُ عَلَى تِلْكَ الحُقوقِ:
ها هوَ النَّبِيُّ ﷺ يُدْخِلُهُمْ مَعَهُ في الصَّلاةِ عَلَيْهِ حِينَ سُئِلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» صحيح مسلم (٤٠٧)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه. (٨).
إنَّ حُبَّ آلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا ﷺ مِنَ الإيمَانِ، وَبُغْضَهُم سَبِيلٌ إِلَى النِّيرَانِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُبْغِضُنَا -أَهْلَ الْبَيْتِ- رَجُلٌ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ النارَ» صحيح ابن حبان (٦٩٧٨)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٤٨٨). (٩).
وقال ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَد أَبْغَضَنِي» سنن ابن ماجه (١٤٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح ابن ماجه (١١٧) (١٠).
لَقَدْ أدَّى الصَّحَابَةُ هذِهِ الحُقوقَ خَيْرَ أَدَاءٍ، وَحَرَصُوا عَلَيْهَا أَعْظَمَ الحِرْصِ، حتّى كانَتْ وَصِيَّةُ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا ﷺ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ» صحيح البخاري (٣٧١٣)، من حديث أبي بكر رضي الله عنه. (١١)؛ أَيِ احْفَظُوهُ فِيهِم، فَلَا تُؤْذُوهُم وَلَا تُسِيئُوا إِلَيْهِم؛ لأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ ﷺ.
بَلْ كانَتْ قَرَابَةُ النَّبِيِّ ﷺ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ قَرَابَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حتّى قالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي» صحيح البخاري (٣٧١١)، وصحيح مسلم (١٧٥٩)، من حديث عائشة رضي الله عنها. (١٢).
وهذا الفاروق عمَرُ يخطُبُ أمَّ كُلثوم بنتَ عليٍّ وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، ثمَّ ذكرَ علَّةَ ذلك فقال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي»، قال: فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَبَبٌ وَنَسَبٌ. المعجم الأوسط (٦٦٠٩)، من حديث عمر رضي الله عنه، وصحَّحه بطرقه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة (٢٠٣٦). (١٣).
أَي: إنَّ النَّسَبَ الشَّرِيفَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الشَّفَاعَةِ بِإِذْنِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
إنَّ أهلَ السُّنَّةَ وسَطٌ بينَ الفِرَقِ في آلِ البَيْتِ، فهم يؤمنونَ بفضلِهمْ وشَرفِهمْ، ويُحبّونَهمْ ويَعرفونَ لهمْ حقَّهمْ، ويوالونَهمْ وينصرونَهمْ ويعادونَ مَن يُعاديهمْ، إلَّا أنَّهمْ لا يعتقدونَ فيهمُ العِصمةَ منَ الخطأِ، ولا يُقدّمونَهمْ في الرُّتبةِ ولا في الخِلافةِ فوقَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ الذينَ همْ خيرُ الصَّحابةِ رضيَ اللهُ عنهمْ، كما أنَّهمْ لا يُلبِسونَهمْ ثوبَ الرُّبوبيّةِ، ولا يسألونَهمُ الحَوائجَ منْ دونِ اللهِ، ولا يَبنونَ المساجدَ على قبورِهمْ، فإنَّهمْ بشرٌ منْ بني آدمَ، لا يعلمونَ الغيبَ، ولا يَملكونَ لأنفسِهمْ ولا لغيرِهمْ نَفعًا ولا ضَرًّا، وهذا واللهِ ما كانَ عليهِ علماءُ آلِ البيتِ وأئمّتُهمْ.
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
عبادَ اللهِ:
يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» صحيح مسلم (٢٦٩٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٤).
إنَّ بعضَ الناسِ قدْ يتَّكِلُ على نسبِهِ الشَّريفِ ويتركُ العملَ الصالحَ، وهذا واللهِ لا يُغنيَ عنهُ شيئًا.
إنَّ النَّبيَّ ﷺ قال يومًا: «أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي ... -يَعْنِي فُلَانًا- لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» صحيح البخاري (٥٩٩٠)، وصحيح مسلم (٢١٥)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. (١٥).
وختامًا، فإنَّ منْ أعظمِ الكَذبِ: الكَذبَ في الأنسابِ، ويكونُ أعظمَ وأشنعَ بانتسابِ إنسانٍ زورًا للنَّبيِّ ﷺ، فإنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» صحيح البخاري (٣٥٠٨)، وصحيح مسلم (٦١)، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. (١٦).
إنَّ هؤلاءِ الذينَ يبحثونَ عن المالِ والشَّرفِ بنسبٍ يدَّعونهُ كذبًا لنْ يزدادوا بذلكَ إلّا ذُلًّا وبُعدًا.
يقولُّ ﷺ: «مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا قِلَّةً» صحيح مسلم (١١٠)، من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. (١٧).
اللهمَّ اغفرْ لنا ولإخوانِنا الذينَ سبقونا بالإيمانِ، ولا تجعلْ في قلوبِنا غلًّا للذينَ آمنوا، ربَّنا إنَّكَ رؤوفٌ رحيمٌ.
اللهمَّ ارضَ عنِ الخلفاءِ الراشدينَ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعنْ أصحابِ النبيِّ ﷺ وأزواجِهِ وذرّيتِهِ وآلِ بيتِهِ، وعنِ التابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.







