عنوان الخطبة:{واتقوا اللهَ الذي إليه تُحشرون} أحوال الناس في الحشر.
عناصر الخطبة:
١- يُبعَث كلُّ إنسان على ما مات عليه.
٢- هيئات الخَلْق يوم القيامة.
٣- من تاب عافاه الله من العقوبة.
الحمدُ للهِ معزِّ مَن آمنَ بهِ فأطاعَهُ واتَّقاهُ، ومذلِّ مَن خالفَ أمرَهُ وعصاهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، فاتَّقوا اللَّهَ عبادَ اللَّهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عبادَ الله:
رجلٌ من الصَّحابة واقفٌ بعرفةَ مُلبِّيًا مُتضرِّعًا، وبينما هوَ كذلكَ إذ وقعَ عنْ راحلتِه فمات، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا». صحيح البخاري (١٢٦٥)، وصحيح مسلم (١٢٠٦)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. (١)
ما أعظمَها منْ خاتِمةٍ يُبعثُ عليها العبدُ يومَ القيامةِ، أنْ يمضيَ بينَ الخلائقِ يومَ الحشرِ مُلبِّيًا.
يومُ الحشرِ الذي يرجوهُ ويخشاهُ المؤمنونَ لِما فيهِ منْ إكرامٍ للمتقينَ، وخِزيٍ للكافرينَ والمجرمينَ.
قالَ ربُّنا سبحانه: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأنعام: ٥١].
كأنَّكَ ترَى الخلائقَ يومئذٍ وقدْ بعثَهُمُ اللهُ منْ قبورِهِمْ، حتى الوُحوشُ والدوابُّ يحشرُها اللهُ تعالَى.
ألم تقرأ قولَه تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير: ٥]
في هذا اليومِ يُبعثُ النَّاسُ على هيئاتٍ شتّى.
يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» صحيح مسلم (٢٨٧٨)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (٢).
أيْ يبعثُهُ اللهُ على الحالةِ التي ماتَ عليها، فما أسعدَ منْ ماتَ طائعًا، وما أشقى منْ خُتِمَ لهُ بالسُّوءِ فماتَ عاصيًا.
ترَى في أرضِ المحشرِ أقوامًا تسيلُ منْ جراحاتِهِمْ دماءٌ زكيَّةٌ، رائحتُهَا كالمسكِ، أتدري مَنْ هُمْ؟
يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ (يعني: كلَّ جُرحٍ يُجرَحُهُ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا، إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ» صحيح البخاري (٢٣٧)، وصحيح مسلم (١٨٧٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٣).
سنَعرفُ يومَ القيامةِ المؤذِّنينَ المخلِصينَ، الذينَ كانوا ينادونَ بالصَّلاةِ: اللهُ أكبرُ، أتدري بمَ سنعرِفُهُمْ؟
يقولُ النُّبيُّ ﷺ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». صحيح مسلم (٣٨٧)، من حديث معاوية رضي الله عنه. (٤)، فما أعظمَ شرفَهُمْ وكرامتَهُمْ.
وآخَرونَ لهُمُ الخزيُ والصَّغارُ بمَا كانُوا يكسبونَ.
وأعظمُ الخزيِ يومَئِذٍ خزيُ الكافرينَ، إذ يحشرُهُمُ اللهُ على أقبحِ صورةٍ.
يحشرُهُمُ اللهُ زُرقًا سُودَ الوُجوهِ، عُميًا وبُكمًا وصُمًّا.
قال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: ٦٠]
وقال سبحانه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء: ٩٧]
وقال جلَّ شأنُه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه: ١٠٢]
يُحشَرونَ ماشينَ على وُجوهِهِمْ، ولعلَّكَ تعجَبُ كيفَ ذلكَ؟
لقد سألَ رجلٌ النَّبيَّ ﷺ فقال: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ! يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟!» صحيح البخاري (٤٧٦٠)، وصحيح مسلم (٢٨٠٦)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. (٥).
سوفَ نرى أصحابَ الكبائرِ الذينَ أصرُّوا على جرائمِهِمْ وماتُوا دونَ ندمٍ وتوبةٍ، يبعثُهُمُ اللهُ بخزيٍ وفضيحةٍ يومَ القيامةِ.
أخبرَنَا اللهُ وأخبرَنَا رسولُهُ ﷺ عنْ بعضِ هؤلاءِ.
أخبرَنَا عنْ الذينَ بخِلُوا ولمْ يؤَدُّوا زكاةَ أموالِهِمْ، فمَنعُوا الفقراءَ حقوقَهُمْ، شَحُّوا بكنوزِهِمْ، فيجعلُ اللهُ كنوزَهُمْ عذابًا عليهِمْ يومَ القيامةِ حتى يقضيَ اللهُ بينَ الخلائقِ.
قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ –يَعْنِي: بِشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: ١٨٠] الآيَةَ. صحيح البخاري (١٤٠٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٦).
أخبرَنَا اللهُ عنْ أَكَلةِ الرِّبَا، ومنْهُمْ أولئكَ الذينَ وضعُوا أموالَهُمْ في البنوكِ الرِّبَويةِ وسمَّوْهَا فائدةً، وتعاملُوا بالعقودِ الرِّبويةِ التي حرَّمَهَا اللهُ، يبعثُهُمُ اللهُ كالمجانينِ الذينَ صرعتْهُمُ الشَّياطينُ.
قال اللهُ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: ٢٧٥].
لقد قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ أَكَلَ الرِّبَا بُعِثَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَجْنُونًا يَتَخَبَّطُ» ثُمَّ تلا الآيةَ آنفةَ الذِّكر. المعجم الكبير (١٨/٦٠)، من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٣١٣). (٧).
أخبرَنَا اللهُ عنْ مصيرِ أكَلَةِ الغُلولِ، عنْ أولئكَ الذينَ يأخذونَ منْ الغنائمِ قبلَ القِسمةِ، فقال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: ١٦١].
يومَ القيامةِ نرى خَلقًا يحملونَ أموالًا أخذوهَا منْ أموالِ المسلمينَ خِيانةً وغَدرًا، ومِنْ هؤلاءِ الموظَّفونَ الذينَ يأخذونَ الهدايَا منَ الناسِ لتسهيلِ أعمالِهِمْ أوْ لِيَحْصلُوا على غيرِ حقوقِهِمْ ظلمًا وعدوانًا.
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ ﷺ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، فقَالَ: «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ (يعني: الذَّهبَ والفضَّةَ)، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ». صحيح البخاري (٣٠٧٣)، وصحيح مسلم (١٨٣١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٨).
هكذا سيكونُ حالُ الذينَ أخذُوا أموالَ المسلمينَ خِيانةً وغدرًا، بلْ إنَّ كلَّ غادرٍ يومَ القيامةِ سيُفضحُ، إذْ تُنصبُ عليهِ رايةٌ، يقالُ: "هذهِ غدرةُ فلانِ بنِ فلانٍ"، وكلَّمَا عَظُمَ الغَدرُ عَظُمتِ الرَّايةُ وارتفعتْ، حتى تكونَ الفضيحةُ بحَجمِ غَدرِهِ، وأعظمُهُمْ منْ غدرَ وكانتْ مسؤوليتُهُ عظيمَةً.
يقول النَّبيُّ ﷺ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» صحيح مسلم (١٧٣٨)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (٩).
كثيرونَ مَنْ أصابتهُمْ سَكرَةُ الدُّنيا حتى ظَلمُوا الخلقَ وأكلوا حقوقَهُمْ، فماذا تُغني عنهُمُ الدنيا يومَ القيامةِ؟
ألم تسمَعْ عنْ هذا الغاصِبِ الذي اعتدَى على حقِّ غَيرِهِ، فأخذَ منهُ ولو شِبرًا، كيفَ سيكونُ خِزيُهُ يومَ القيامةِ؟
يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ، كَلَّفَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ سَبْعَ أَرَضِينَ، ثُمَّ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَفْصِلَ بَيْنَ النَّاس» صحيح ابن حبان (٥١٦٤)، من حديث يعلى بن مرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٤٠). (١٠).
ولا تزالُ عجائبُ الخلقِ يومَ القيامةِ تُنذرُ أصحابَ القلوبِ المؤمنةِ.
إنَّنَا سنرَى يومَ القيامةِ أشخاصًا بحجمِ النَّملِ الصَّغيرِ، صورتُهُ صورةُ إنسانٍ إلَّا أنَّهُ حقيرٌ لدرجةِ أنَّهُ كالنَّملةِ، يَطَأُ النَّاسُ عليهِمْ بأقدامِهِمْ، يَا تُرَى مَنْ هؤلاءِ؟
يجيبُك النَّبيُّ ﷺ فيقول: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ» جامع الترمذي (٢٤٩٢)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٤٣٤). (١١).
إنَّهُمْ أولئكَ الذينَ امتلأتْ قلوبُهُمْ كِبرًا، فردُّوا الحقَّ واحتقَرُوا الخَلقَ، فكانَ مصيرُهُمْ ذُلًّا وهَوانًا، جَزاءً وِفاقًا.
سَوفَ نرى خَلقًا آتاهُمُ اللهُ عِلمًا في الدُّنيَا، إلّا أنَّنَا سنَرَى في أفواهِهِمْ لِجامًا كالذي يوضعُ في أفواهِ الدَّوابِّ، إلَّا أنَّهُ مصنوعٌ منْ نارٍ، جعلَهُ اللهُ في أفواهِهِمْ لَمَّا كتَمُوا الحقَّ الذي علَّمَهُمُ اللهُ إيَّاهُ معَ حاجةِ الناسِ إليهِ.
قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» سنن أبي داود (٣٦٥٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢١٠) (١٢).
تجدُ رجلًا يمشي بينَ الناسِ وإحدى شِقَّيهِ مائلٌ، جزاءً وفاقًا، كما مالَ ولمْ يستقِمْ ولمْ يعدِلْ بينَ زوجتيهِ في النَّفقةِ والسُّكنى.
قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ». سنن النسائي (٣٩٤٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (٢٠١٧) (١٣).
هل تخيَّلتَ يومًا إنسانًا بلِسَانَين؟
كانَ في الدُّنيا أقوامٌ بوَجهَينِ، يأتي هؤلاءِ بوجهٍ وهؤلاءِ بوجهٍ، يتملَّقُ هذا أمامَ وجهِهِ، ثمَّ يقعُ فيهِ خلفَ ظهرِهِ.
سيجعَلُ اللهُ لهُ لسانينِ يومَ القيامةِ، لكنَّهمَا منْ نارٍ.
قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ» سنن أبي داود (٤٨٧٣)، من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وصححه بطرقه الألباني في السلسلة الصحيحة (٨٩٢). (١٤).
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثَّانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
عبادَ اللهِ:
تِلكَ الصُّورُ تنذرُ مَنْ كانَ حيًّا أَوْ ألقَى السَّمعَ وهُوَ شهيدٌ.
إلى مَنْ أصابتْهُ الغَفلةُ فكانَ مِنَ الغاوينَ: لا تزالُ أمامَكَ فرصةٌ قبلَ يومِ الخزيِ والندامةِ.
يقول النَّبيُّ ﷺ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ». صحيح مسلم (٩٣٤)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه. (١٥).
انظرْ كيفَ توعَّدَ النبيُّ ﷺ تلكَ التي تصرخُ عندَ الموتِ ساخطةً على قضاءِ اللهِ مُعدِّدةً خصالَ الميتِ بأنْ يُلبسَهَا اللهُ قميصًا منْ قطرانٍ يزيدُ النارَ اشتعالًا معَ جرَبٍ في جلدِهَا، إلَّا أنَّهُ استثنَى منْ ذلكَ منْ تابتْ إلَى اللهِ قبلَ موتِهَا.
وهكذَا كلُّ هذهِ الجرائمِ التي سمعْتَ عقوبةَ أصحابِهَا يومَ القيامةِ إنْ تابُوا إلَى اللهِ قبلَ موتِهِمْ تابَ اللهُ عليهِمْ وبدَّلَ سيئاتِهِمْ حسناتٍ.
اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.







