خطبة: الحوض المورود

خطبة: الحوض المورود

عنوان الخطبة: الـحَوضُ الـمَورُود

عناصر الخطبة

١- صِفة حَوض النبي ﷺ.

٢- من يحظى بالشُّربِ منه.

٣- المطرودُونَ عن حَوضِه ﷺ.

٤- الرَّدُّ على إنكارِ الـحَداثيّينَ والـمُحْدِثين.

الحمدُ للهِ ذي الـجَلالِ والكَمالِ، تنزَّهَ عنِ النِّدِّ والنَّظيرِ والمثالِ، وتقدَّسَ عنِ السِّنَةِ والنَّومِ والزَّوالِ، وأشهدُ أن لّا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ، فاتَّقوا اللَّهَ عبادَ اللَّهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

عبادَ اللهِ:

إنَّ لَنَا مَوعدًا معَ رسولِ اللهِ ﷺ، أتَدرونَ متى اللِّقاءُ؟

إِلَيكُمُ الصُّورةَ كأنَّها رأيُ عينٍ!

يحشُرُ اللهُ الأُممَ يومَ القيامَة، وتكونُ الأُمّةُ المحمديّةُ آخرَها وخيرَها.

يقُولُ النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» سنن ابن ماجه (٤٢٨٨)، من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (٣٤٦١) (١).

وبَينَمَا الأُممُ جاثيةٌ، تدنو الشَّمسُ من رُؤوسِ العِبادِ مقدارَ مِيلٍ، حَتّى إنَّها تُعطَى يومَ القِيامةِ حَرَّ عَشرِ سِنينَ، كما قالَ سلمانُ الفارسيُّ رضيَ اللهُ عنه رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٣١٦٧٥)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (٣٦٣٨). (٢).

يَقُولُ النَّبيُّ ﷺ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ» صحيح مسلم (٢٨٦٤)، من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه. (٣).

حَرٌّ عظيمٌ، وازدحامٌ شديدٌ، وزمنٌ طويلٌ، وحِسَابٌ وأهوَالٌ، كَربٌ وعَرَقٌ، وعطشٌ يكادُ يقطعُ الأنفاسَ، حتّى يستغيثَ الكفّارُ قائلينَ: «عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا»صحيح البخاري (٤٥٨١)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (٤).

ويومئذٍ يفرَحُ المؤمنونَ، تولاّهُم ربُّهم، فأعطى كلَّ نبيٍّ حَوضًا يَسقِي منهُ مَن تبِعَه مِن المؤمنينَ.

يَقُولُ النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» جامع الترمذي (٢٤٤٣)، من حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٥٨٩). (٥).

يسبِقُ النَّبيُّ ﷺ أُمّتَه إلى الـحَوضِ الذي أعطاهُ ربُّه، يُهيِّئُ لهم فيه مَشْرَبًا ورِيًّا، هو أَعظمُ حِياضِ الأَنبياءِ جميعًا، يأتي مَاؤُه مِن نَّهرِ الكَوثرِ في الجنَّةِ، وصَفَ النَّبيُّ ﷺ طولَه وعَرضَه، ولونَ مائِه، ومَذاقَه، وطِيبَ ريحِه، وبُرودتَه، بل وَصَفَ آنِيَتَه، فانظرْ إلى بديعِ وَصفِه.

قالَ النَّبيُّ ﷺ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا». صحيح البخاري (٦٥٧٩)، وصحيح مسلم (٢٢٩٢)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (٦).

وسَألَهُ عنه أبو ذرٍّ الغِفاريُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يومًا فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ». صحيح مسلم (٢٣٠٠)، من حيث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. (٧).

وقال ﷺ: «فِيهِ مِيزَابَانِ يَنْثَعِبَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مِنْ وَرِقٍ (يعني: مِن فِضَّة)، وَالْآخَرُ مِنْ ذَهَبٍ، أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فِيهِ أَبَارِيقُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ» مسند أحمد (١٩٨٠٤)، من حديث أبي برزة رضي الله عنه، وصححه الألباني في التعليقات الحسان (٦٤٢٤). (٨).

هَلْ تَعلمُ ما يحصُلُ لِمَن شَرِبَ مِن هٰذَا الحَوْضِ العَظِيمِ ومائِهِ المُبارَكِ؟

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا» صحيح البخاري (٦٥٨٣)، وصحيح مسلم (٢٢٩٠)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. (٩).

وَقَالَ ﷺ: «مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا» صحيح ابن حبان (٦٤٢٣)، من حديث يزيد بن الأخنس رضي الله عنه، وصححه الألباني في ظلال الجنة (٧٢٩) (١٠).

يُؤتَى بِمِنبَرِ النَّبِيِّ ﷺ، الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيهِ مُعَلِّمًا دَاعِيًا وَاعِظًا مُذَكِّرًا بِرَبِّهِ، فَيُوضَعُ عِندَ الحَوْضِ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «مِنبَرِي عَلَى حَوْضِي» صحيح البخاري (١١٩٦)، وصحيح مسلم (١٣٩١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١١).

وَيَقِفُ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو أُمَّتَهُ لِيَشرَبُوا مِن حَوْضِهِ، وَيُدْفَعُ عَنهُ مَن لَيسَ مِن أُمَّتِهِ.

أَتَدْرِي بِأَيِّ شَيءٍ سَيَعرِفُكَ النَّبِيُّ ﷺ مِن مِليَارَاتِ البَشَرِ فِي أَرضِ المَحشَرِ؟

يَعرِفُنَا مِن آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَا ظَنُّكَ يَا تَارِكَ الصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيءٍ تُعرَفُ يَومَ القِيَامَةِ أَنَّكَ مِنَ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ؟

يقولُ ﷺ: «تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ، وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ، كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ أَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» صحيح مسلم (٢٤٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٢).

هُنَا اللِّقَاءُ، هُنَا المَوعِدُ الَّذِي وَعَدَنَا نَبِيُّنَا ﷺ أَن يَلقَانَا عِندَهُ، فإنَّه صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ (يعني سابُقٌ لكُم)، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا» صحيح البخاري (٤٠٤٢)، وصحيح مسلم (٢٢٩٦)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. (١٣).

هٰذَا المَوعِدُ وَاللِّقَاءُ أَنتَ مَدعُوٌّ إِلَيهِ أَيضًا، وَلَيسَ أَصحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فَقَط، فَإِنَّهُ يَشتَاقُ إِلَى لُقْيَاكَ كَمَا تَشتَاقُ إِلَيهِ.

قال ﷺ يومًا لأصحابه: «وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ». فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ» صحيح مسلم (٢٤٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٤).

أَتَدْرِي مَن أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَى حَوْضِهِ ﷺ؟

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، الشُّعْثُ رُؤُوسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا، الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ، وَلاَ تُفْتَحُ لَهُمُ أَبْوَابُ السُّدَدِ، الَّذِينَ يُعْطُونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعْطَوْنَ الْحَقَّ الَّذِي لَهُمْ» جامع الترمذي (٢٤٤٤)، والسنة لابن أبي عاصم (٧٤٩)، من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٢٠٨). (١٥).

هَؤُلَاءِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ، الَّذِينَ تَرَكُوا أَموَالَهُم وَدِيَارَهُم لِلَّهِ، قَدِمُوا المَدِينَةَ فَقَضَوا حَيَاتَهُم فِي الفَقرِ وَالحَاجَةِ، حَتَّى إنَّ أَحَدُهُم لَا يَجِدُ إِلَّا ثَوبًا، لَا تَرضَى بِنِكَاحِهِ النِّسَاءُ المُتَنَعِّمَاتُ، وَلَا تُفتَحُ لَهُم أَبوَابُ المَجَالِسِ، حُرِمُوا مِنْ كَثِيرٍ مِن حُقُوقِهِم، وَمَعَ ذٰلِكَ أَدَّوُا الَّذِي عَلَيهِم لِلَّهِ وَلِدِينِهِ وَلِعِبَادِهِ غَيرَ مَنقُوصٍ، فَهَؤُلَاءِ وَمَن سَارَ عَلَى دَربِهِم أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَى الحَوْضِ.

إِلَّا أَنَّهُ مَا أَعظَمَ الحَسْرَةَ يَومَئِذٍ، إِذْ يُطرَدُ نَاسٌ مِن أُمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ عَن حَوْضِهِ، فَمَن هَؤُلَاءِ المُجرِمُونَ؟

إِنَّ أَوَّلَ مَن يُطرَدُ عَن حَوْضِ النَّبِيِّ ﷺ: تِلكَ القِلَّةُ الَّتِي لَا تُعَدُّ مِن أَصحَابِهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ ارتَدُّوا عَن دِينِهِ بَعدَ مَوتِهِ، بَعدَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِم بِرُؤيَةِ نَبِيِّهِ ﷺ فَأَسلَمُوا لَكِن لَم يَدخُلِ الإِيمَانُ قُلُوبَهُم، فَمَا لَبِثُوا أَنِ ارتَدُّوا بَعدَ وَفَاتِهِ ﷺ، فَمَا أَشقَى مَن مَاتَ مِنهُم عَلَى ذٰلِكَ، كالّذِينَ قاتَلَهُم أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ والصّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُم!

يَرَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ قَادِمِينَ نَحوَهُ، إِلَّا أَنَّهُم تَمنَعُهُمُ المَلَائِكَةُ، فيقول: «أَيْ رَبِّ! أُصَيْحَابِي! أُصَيْحَابِي! فيقال: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» صحيح البخاري (٦٥٨٢)، وصحيح مسلم (٢٣٠٤)، من حديث أنس رضي الله عنه. (١٦).

وتقُولُ المَلَائِكَةُ: «إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» صحيح البخاري (٣٣٤٩)، وصحيح مسلم (٢٨٦٠)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (١٧).

بل يأتيهِ الرَّجُلُ يُنادِي علَيه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فيقول: «أَمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ، وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمُ الْقَهْقَرَى» مسند أحمد (١١١٣٨)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وحسنه ابن حجر في الفتح (١١/٣٨٦). (١٨).

يُطْرَدُ عن حَوْضِهِ المُحْدِثونَ في دينِهِ ما لم يَشْرَعْهُ، أَهْلُ البِدَعِ والضَّلالاتِ، الذينَ ابْتَعَدوا في العَقائِدِ والشَّرَائعِ، إنَّهُم يُطْرَدونَ عن حَوْضِهِ ﷺ، فيَسألُ: «فِيمَ هَذَا؟» فَيُقَالُ: «إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»، فيقول: «سُحْقًا» صحيح مسلم (٢٢٩٥)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (١٩).

يُطْرَدُ عن حَوْضِهِ الظَّلَمةُ وأعوانُهُم ممَّن زَيَّنَ لهم الظُّلمَ ونَشَرَ لهم الأكاذيبَ.

يقُولُ النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ، مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ». سنن النسائي (٤٢٠٧)، من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (٢٢٤٣). (٢٠).

إنَّ هؤلاءِ جميعًا أعرَضوا عن حَوضِ شريعتِهِ وسُنَّتِهِ ﷺ في الدُّنيا، فحُرِموا الوُرودَ على حَوضِهِ يومَ القِيامَة، ولا يَرِدُ عليهِ فيَرتَوِيَ من حَوضِهِ ﷺ يَومَئِذٍ، إلّا مَن أقبَلَ على سُنَّتِهِ في الدُّنيا فارتَوَى منها.

بارَكَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:

عبادَ اللهِ:

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «سَيَأْتِي قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْحَوْضِ، وَيُكَذِّبُونَ بالشَّفاعَة، ويُكَذِّبُون بِقَومٍ يَخرُجُونَ مِنَ النَّار» السنة لابن أبي عاصم (٦٩٧)، وصححه الألباني في ظلال الجنة (٢/٣٢١). (٢١).

إنَّ الإيمانَ بحَوضِ النَّبيِّ ﷺ واجبٌ، وإنكارَهُ ضَلالٌ وزَيْغٌ، وقد جاءَ فيه عن أكثرَ من خمسينَ صحابيًّا أحاديثُ بلَغَت حدَّ التَّواترِ، ومعَ ذلك تَرَى مَن في قلوبِهِم زَيْغٌ يَرُدُّونَ تلك الأحاديثَ، يَزْعُمونَ أنَّهُم حداثيّونَ، وهُم مُحْدِثونَ أفّاكُونَ ضالّونَ، نقولُ لهم كما قال أبو بَرْزَةَ رضيَ اللهُ عنه: «فمَنْ كذَّبَ بِهِ فَلَا سَقاهُ اللهُ مِنه!» سنن أبي داود (٤٧٤٩)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٤٧٤٩). (٢٢).

إِنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ حُجَّةٌ في العَقَائدِ والأَحكَامِ، فمَا ثَبَتَ عن رسولِ الله ﷺ فهو حُجَّةٌ ودِينٌ وشَرعٌ، ومَن رَدَّ حديثَ النَّبيِّ ﷺ فهو هالِكٌ.

إنَّ هؤلاءِ الذينَ يَزْعُمونَ الحداثةَ لا يُقَدِّسونَ دينًا ولا قُرآنًا ولا سُنَّةً، وإنَّما يُقَدِّسونَ ما عليه الغربُ الكافِرُ، فإنْ وافقَ الدِّينُ أهواءَهم قبِلوه، وإلّا تَرَكُوه، حالُهم كما أخبَرَ النبيُّ ﷺ: «وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ» سنن أبي داود (٤٥٩٧)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (٥١). (٢٣).

اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

شارك المحتوى: