خطبة (فضل ذكر الله)

خطبة (فضل ذكر الله)

عنوان الخطبة: فضل ذكر الله

عناصر الخطبة
١- فضائل ذكر الله.
٢- فوائد ذكر الله.
٣- نماذج لأفضل الأذكار.

 

 

الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعصُوهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُون.

مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ:

أَخرَجَ أَحمَدُ وَالتّرمِذِيُّ وَصَحّحَهُ الأَلبَانِيّ عَن أَبِي الدّردَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَا أُنَبّئُكُم بِخَيرِ أَعمَالِكُم، وَأَزكَاهَا عِندَ مَلِيكِكُم، وَأَرفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُم، وَخَيرٍ لَكُم مِن إِنفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيرٍ لَكُم مِن أَن تَلقَوا عَدُوَّكُم فَتَضرِبُوا أَعنَاقَهُم وَيَضرِبُوا أَعنَاقَكُم؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «ذِكرُ اللَّهِ تَعَالَى».

إِنّ ذِكرَ اللَّهِ أَحَبُّ الأَعمَالِ إِلَى اللَّهِ، وَأَعلَاهَا وَأَزكَاهَا، وَأَعظَمُهَا وَآكَدُهَا، كَيفَ لَا، وَمِن الذِّكرِ كَلِمَةُ التّوحِيدِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) الَّتِي هِيَ مِفتَاحُ الإِسلَامِ وَمِفتَاحُ الجَنَّةِ، وَهِيَ أَعلَى شُعَبِ الإِيمَانِ؟

وَأَهَمُّ العِبَادَاتِ العَمَلِيّةِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ، أَهَمُّ مَا فِيهَا مَا تَضَمّنَتهُ مِن ذِكرِ اللَّهِ، مِن القُرآنِ وَالتّسبِيحِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ تَعَالَى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرِ اللَّهِ أَكبَرُ.

وَعَن عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ وَرَمْيُ الجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكرِ اللَّهِ تَعَالَى» [أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
 

عِبَادَ اللَّهِ:

إِنّ ذِكرَ اللَّهِ يَطرُدُ الشَّيطَانَ، وَيُرضِي الرّحمَنَ، وَيَزِيدُ الإِيمَانَ، وَذِكرُ اللَّهِ يُزِيلُ عَن القُلُوبِ الهُمُومَ وَالأَحزَانَ، وَيَملَؤُهَا بِالسُّرُورِ وَالرّضوَانِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِنَشَاطِ القَلبِ وَالبَدَنِ وَقُوَّتِهِ، وَنُورِ الوَجهِ وَنَضَارَتِهِ وَهَيبَتِهِ.

وَذِكرُ اللَّهِ يَملَأُ القَلبَ مِن مَعرِفَةِ اللَّهِ وَالأُنسِ بِهِ، وَيَغرِسُ فِيهِ مَحَبّتَهُ وَتَعظِيمَهُ وَالقُربَ مِنهُ، فَيَحيَى القَلبُ مِن مَوَاتِهِ، وَيُفِيقُ مِن سُبَاتِهِ، فَهُوَ لِلقَلبِ غِذَاهُ، وَجَلَاؤُهُ مِن بَعدِ صَدَاهُ.

وَمَن ذَكَرَ اللَّهَ ذَكَرَهُ اللَّهُ وَكَانَ مَعَهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفسِهِ ذَكَرتُهُ فِي نَفسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرتُهُ فِي مَلَإٍ خَيرٍ مِنهُم».

وَمَن جَلَسَ وَحِيدًا فَذَكَرَ اللَّهَ، فَفَاضَت مِنهُ العَينَانِ، أَظَلّهُ يَومَ الحَرّ الأَكبَرِ ظِلُّ عَرشِ الرّحمَنِ، فَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «سَبعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وَذَكَرَ مِنهُم: «وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَت عَينَاهُ».
 

إِخوَةَ الإِسلَامِ:

إِنّ ذِكرَ اللَّهِ مَمحَاةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَرفَعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ، وَمَنجَاةٌ مِن العُقُوبَاتِ، كَمَا قَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًاً أَنجَى مِن عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِن ذِكرِ اللَّهِ تَعَالَى».

وَأَذكَارُ المُسلِمِ كَلِمَاتٌ طَيِّبَاتٌ تَصعَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطّيِّبُ، فَتَطُوفُ تِلكَ الكَلِمَاتُ حَولَ العَرشِ، تُذَكّرُ بِصَاحِبِهَا، كَمَا رَوَى ابنُ مَاجَه بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ عَن النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنّ مِمَّا تَذكُرُونَ مِن جَلَالِ اللَّهِ؛ التَّسبِيحَ وَالتّهلِيلَ وَالتَّحمِيدَ، يَنعَطِفنَ حَولَ العَرشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا. أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُم أَن يَكُونَ لَهُ -أَو: لَا يَزَالَ لَهُ- مَن يُذَكّرُ بِهِ؟».

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِن الآيَاتِ وَالحِكمَةِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ، فَاستَغفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية

الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ المُرسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ، وَبَعدُ:

مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ:

إِنّ أَعظَمَ ذِكرِ اللَّهِ كَلَامُهُ سُبحَانَهُ، فَقِرَاءَةُ القُرآنِ الكَرِيمِ أَفضَلُ الأَذكَارِ مُطلَقًا، لَا سِيّمَا إِذَا تَدَبّرَهُ قَارِئُهُ وَتَفَكّرَ فِي مَعَانِيهِ، وَقَد جَاءَ فِي فَضلِ قِرَاءَتِهِ مَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحّحَهُ مِن حَدِيثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن قَرَأَ حَرفًا مِن كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا، لَا أَقُولُ (الم) حَرفٌ، وَلَكِن أَلِفٌ حَرفٌ، وَلَامٌ حَرفٌ، وَمِيمٌ حَرفٌ».

وَمِن أَفضَلِ الأَذكَارِ قَولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنّ «مَن قَالَهَا فِي يَومٍ مِائَةِ مَرَّةٍ كَانَت لَهُ عَدلَ عَشرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَت لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَت عَنهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَت لَهُ حِرزًا مِن الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمسِيَ، وَلَم يَأتِ أَحَدٌ بِأَفضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكثَرَ مِنهُ».

وَمِن أَفضَلِ الأَذكَارِ مَعَ التَّهلِيلِ: التَّسبِيحُ وَالحَمدُ وَالتَّكبِيرُ، يَقُولُ ﷺ: «أَحَبُّ الكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَربَعٌ، لَا یضَرُّكَ بِأَیِّهِنَّ بَدَأت: سُبحَانَ اللَّهِ، وَالحَمدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكبَرُ»، رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وَرَوَى أَيضًا مِن حَدِّیثِ أَبِي هُرَیرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَأَن أَقُولَ: سُبحَانَ اللَّهِ، وَالحَمدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَت عَلَیْهِ الشّمسُ».

وَمِن أَطيَبِ الأَذكَارِ: استِغفَارُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَد رَوَى البُخَارِيُّ عَن شَدَّادِ بنِ أَوسٍرضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنّهُ قَالَ: «سَيِّدُ الِاستِغفَارِ أَن تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ، خَلَقتَنِي وَأَنَا عَبدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا استَطَعتُ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنبِي فَاغفِر لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنتَ»، قَالَ: «وَمَن قَالَهَا مِن النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِن يَومِهِ قَبلَ أَن يُمسِيَ، فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، وَمَن قَالَهَا مِن اللَّيلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبلَ أَن يُصبِحَ، فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ».

وَاعلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ، أَنّ مِن أَفضَلِ الذِّكرِ وَأَحَبِّهِ إِلَى اللَّهِ: الصَّلَاةَ وَالتَّسلِيمَ عَلَى أَشرَفِ رُسُلِ اللَّهِ أَجمَعِينَ، نَبِيّنَا الهَادِي مُحَمَّدٍ صَاحِبِ اللِّوَاءِ المَعقُودِ وَالحَوضِ المَورُودِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.

اللَّهُمَّ ارْزُقنَا لِسَانًا رَطْبًا بِذِكرِكَ، وَأَعِنّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا يُقَرِّبُنَا إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا يُقَرِّبُنَا إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَسأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنفَدُ، وَقُرّةَ عَينٍ لَا تَنقَطِعُ، وَنَسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ، وَنَسأَلُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، وَنَسأَلُكَ لَذّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجهِكَ، وَالشَّوقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيرِ ضَرّاءَ مُضِرّةٍ وَلَا فِتنَةٍ مُضِلّةٍ، اللَّهُمّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيِّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

شارك المحتوى: