كانت لحظةً عصيبة، تلك التي فقد النبي ﷺ العضيد والنصير له، لقد كان أبو طالب عمًّا وظهيرًا لنبينا ﷺ، يدفع عنه أذى المشركين ويحامي عنه، ولكنه أبى اتباع دينه عصبيةً لدين آبائه.
سمّي عام موته عام الحزن، لا سيما أنّ فيه أيضًا توفّيت خديجة رضي الله عنها، فاجتمعت أسباب الحزن على نبيّنا ﷺ!
مع ذلك: يروي ابنُ أبي طالب، عليٌّ -رضي الله عنه- ما وقع عند موت أبيه، فيقول: قلت للنبي ﷺ: إن عمك الشيخ الضالّ قَد مات، قال: "اذهب فوارِ أباك، ثم لا تحدِثنّ شيئا حتى تأتيني" فذهبت فواريته وجئته، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهو صحيح.
هناك شيء مستغرب، إنّ عليًّا يسمّي أباه: الشيخ الضالّ! والنبي ﷺ يقرّه ثمّ يدعو لعليّ، ولا يحضرُ دفن عمّه.
أليس النبي ﷺ هو الذي حرص أشدّ الحرص على عمّه ليُسلم قبل موته، أوليس قال فيه: لأستغفرنّ لك ما لم أنُهَ عنك، حتى نُهي عنه!
إنّ المشهد تشوبه ضبابيّةٌ -بلا شك- عند أكثر الناس، سببها قضية واحدة، وهي عدم الشعور بفظاعة الجريمة التي ارتكبها أبو طالب، وهي جريمة الشّرك بالله، هذه الجريمة الكبرى التي لو قيست بجميع الجرائم كانت أعظم منها، فهي التي تُحقّر عندها الذنوب، لأنها الجَحد الصريح لحقّ الخالق المنعم الحميد، وأي حقٍّ أعظم من حقّ الخالق المنعم الحميد؟!
قلبُ المسلم أرهفُ القلوب وأطيبُها، ونفسُه أزكى النفوس مع الموافق والمخالف وأعدلُها، لكنّ عواطف المسلم محكومةٌ بشرع ربّه، وحقّ الله عنده مقدّمٌ على كلّ الحقوق، ولك أن تلحظ ذلك ملخّصًا في قول النبي ﷺ: (لأستغفرنّ لك، ما لم أُنهَ عنك)، إنها عاطفة مقيّدة بالحكم الربانيّ، وحسب!
اليوم، تغتالُ يد الغدر الصهيـ.ونية صحفيّةً نصـ.رانية، وقفت مناصرةً لقضية فلسطين، فكانَ في موتها ما يحزن، فهو حزن على خسارة إعلاميّ مناصرٍ لهذه القضية، وحزن على قتلها بيد ظالمة ويدٍ بارد من يهـ.وديّ غاشم.
لكنّ الضبابية آنفةَ الذكر، هي التي تسود المشهد، حيث يبصر بعض المسلمين فظاعة جريمة اليهود، ويعمى عن أن يضبط عاطفته بشرع الله، فيعجز عن أن يقول: (ما لَم أنهَ عنك)!
أكثر ما يثير تلك الضبابيّة القاتمة، هو عمل سنواتٍ من الجهود العلمانية، في تذويب الهوية المسلمة، وتسطيح قضية الإيمان والكفر، وتخدير المشاعر عن شيءٍ اسمه جريمة الكفر، ليصير المسلم والكافر شيئًا واحدًا، وتكون الحقيقة للجميع، والجنة للجميع، إضلالًا للجميع!