خطبة ( رمضان مدرسة العبودية)

خطبة ( رمضان مدرسة العبودية)

عنوان الخطبة: رمضان مدرسة العبودية


عناصر الخطبة:

١- تحقيق العبودية لله هي الغاية من خلق الإنسان.

٢- العبودية لله في الصيام.

٣- الغاية العظمى من عبودية الصيام: تحقيق التقوى.

٤- عبودية القيام

٥- المعاصي في رمضان تُضعف العبودية.

٦- الحث على الإكثار من الدعاء في رمضان.

 

 

الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ شَهرَ رَمَضَانَ مَحَطَّةً لِتَربِيَةِ النَّفسِ عَلَى العُبُودِيَّةِ لِلمَولَى، وَأَودَعَ فِيهِ مِن العِبَادَاتِ مَا يُحَقِّقُ فِي القَلبِ التَّقوَى، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَهُ الحَمدُ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيرُ مَن صَامَ وَقَامَ وَصَلَّى، اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أُولِي الفَضلِ وَالنُّهَى، أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجوَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ.
 

عِبَادَ اللهِ:

لَقَد خَلَقَ اللَّهُ الإِنسَانَ لِغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهِيَ تَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ لِلَّهِ سُبحَانَهُ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا ‌لِيَعبُدُونِ، وَلِأَجلِ تَحقِيقِ هَذِهِ الغَايَةِ أَرسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَنزَلَ الكُتُبَ وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ، فَكَانَت تَشرِيعَاتُهُ سُبحَانَهُ مُتَفَاوِتَةً فِي هَيئَاتِهَا وَأَوقَاتِهَا وَأَحوَالِهَا، فَحَرَّمَ فِي وَقتٍ مَا أَحَلَّهُ فِي بَقِيَّةِ الأَوقَاتِ، وَمَنَعَ فِي حَالٍ مَا أَبَاحَهُ فِي بَقِيَّةِ الأَحوَالِ، كُلُّ ذَلِكَ لِيَختَبِرَ العِبَادَ وَيَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلًا وَأَعلَى عُبُودِيَّةً وَأَكثَرُ تَسلِيمًا.

وَمِن تِلكُمُ الشَّرَائِعِ العَظِيمَةِ: شَرِيعَةُ الصِّيَامِ، الَّتِي تَظهَرُ فِيهَا أَسمَى مَعَانِي العُبُودِيَّةِ لِلَّهِ، وَتَتَحَقّقُ فِيهَا أَعلَى صُوَرِ التَّسلِيمِ لَهُ سُبحَانَهُ.
 

أَخِي الصَّائِمُ:

صِيَامُكَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، تَسمُو بِنَفسِكَ إِلَى عُبُودِيَّاتٍ سَامِيَةٍ لِمَولَاكَ، فَاستِسلَامُكَ لِأَمرِ اللَّهِ وَإِذعَانُكَ لِحُكمِهِ يَقُودُكَ إِلَى تَركِ المُبَاحَاتِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي لَا غِنَى لَكَ عَنهَا، لِأَنَّكَ تُحِبُّ اللَّهَ، وَتَعلَمُ أَنَّهُ رَبٌّ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لَا يَشرَعُ لِعِبَادِهِ إِلَّا مَا فِيهِ مَصلَحَةٌ لَهُم فِي دِينِهِم أَو دُنيَاهُم، فَتَتَعَلَّمُ مِن مَدرَسَةِ الصِّيَامِ تَركَ الِاعتِرَاضِ عَلَى أَيِّ حُكمٍ مِن أَحكَامِ اللَّهِ، وَتَركَ المُخَالَفَةِ لِأَيِّ أَمرٍ مِن أَوَامِرِهِ، بَل تَكُونُ عَبدًا مُسلِّمًا لِأَحكَامِ اللَّهِ، مُذعِنًا لِأَوَامِرِهِ، مُرَدِّدًا بِلِسَانِكَ وَقَلبِكَ: سَمِعنَا وَأَطَعنَا غُفرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ المَصِيرُ.

كَيفَ لَا وَأَنتَ تَرَى المَاءَ الزُّلَالَ البَارِدَ فِي مُتَنَاوَلِ يَدِكَ وَأَنتَ صَائِمٌ، وَتَقدِرُ عَلَى الطَّعَامِ الطَّيِّبِ اللَّذِيذِ وَأَنتَ جَائِعٌ، لَكِنَّكَ تَنهَى نَفسَكَ عَن هَوَاهَا، وَتُقَدِّمُ مَا يُحِبُّهُ رَبُّكَ عَلَى مَا تُحِبُّهُ نَفسُكَ.

تُحَقِّقُ فِي صِيَامِكَ قَولَ الرَّبِّ سُبحَانَهُ عَنِ الصَّائِمِ: «يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهوَتَهُ مِن أَجلِي!»، فَكَيفَ يَصعُبُ عَلَيكَ أَن تَسِيرَ فِي حَيَاتِكَ عَلَى مَا يُحِبُّهُ رَبُّكَ، فَتُخضِعَ قَلبَكَ وَجَوَارِحَكَ لِمُرَادَاتِهِ، وَتَتبَعَ رَاضِيًا مَحبُوبَاتِهِ، لِأَنَّكَ تَثِقُ بِأَنَّهُ الرَّبُّ الحَمِيدُ؟.
 

عَبدَ اللَّه:

إِذَا صُمتَ لِلَّهِ حَقَّ الصِّيَامِ، فَقَد دَخَلتَ مَدرَسَةَ العُبُودِيَّةِ الحَقَّة.

صُمتَ لِأَنَّكَ تُؤمِنُ بِاَللَّهِ إِلَهًا حَكِيمًا، وَرَبًّا قَرِيبًا مُجِيبًا.

صُمتَ لِأَنَّكَ تُؤمِنُ بِاليَومِ الآخِرِ مَوعِدًا لِلجَزَاءِ مِن الرَّحمَنِ، وَتَحتَسِبُ فِيهِ ثَوَابَ الجِنَانِ.

صُمتَ فَتَرَكتَ المُبَاحَ الطَّيِّبَ، أَفَيَمتَنِعُ عَلَيكَ تَركُ الحَرَامِ الخَبِيثِ؟

صُمتَ فَتَرَكتَ مَحبُوبًا يَحتَاجُهُ بَدَنُكَ، أَفَلَا تَترُكُ مَكرُوهًا يَضُرُّكَ وَيُفسِدُكَ؟

صُمتَ فَغَلَبتَ شَيطَانَكَ وَشَهوَتَكَ وَهَوَاكَ، أَفَتُهزَمُ خَائِبًا خَائِرًةً قُوَاكَ، وَزَائِلًا عَنكَ تَقوَاكَ؟

صُمتَ فَقَيّدَتَ نَفسَكَ بِحُكمِ رَبِّ البَرِيّةِ، أَفَتَخرُجُ عَن أَحكَامِهِ بِدَعَاوَى الحُرّيّةِ؟

صُمتَ فَحَكّمتَ رَبَّكَ فِي أَفعَالِكَ وَرَغَبَاتِكَ، أَفَلَا تَحكّمُهُ عَلَى حَيَاتِكَ وَجَمِيعِ مُعَامَلَاتِكَ؟

 

أَخِي المُوَفَّقُ:

يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيسَ لَهُ مِن صِيَامِهِ إِلَّا الجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيسَ لَهُ مِن قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» أخرجه ابن ماجه، وَيَقُولُ ﷺ: «مَن لَم يَدَع قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهلَ، فَلَيسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» أخرجه البخاري.
 

إِنّ الصِّيَامَ لَيسَ مُجَرَّدَ الجُوعِ وَالعَطَشِ، بَل الغَايَةُ العُظمَى مِنهُ أَن تُحَقّقَ التَّقوَى فِي قَلبِكَ، قَالَ تَعَالَى: َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُتِبَ ‌عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ، فَهَل حَقّقَ الصِّيَامُ التَّقوَى فِي قَلبِكَ؟ هَل زَادَ فِي إِيمَانِكَ؟ وَهَل عَلّقَ قَلبَكَ بِاللَّهِ أَكثَر؟ وَهَل سَمَا بِكَ فِي مَرَاتِبِ العُبُودِيَّةِ؟ وَهَل حَقّقَ فِي نَفسِكَ الزُّهدَ فِي الدُّنيَا؟ وَهَل جَعَلَ الآخِرَةَ أَكبَرَ هَمِّكَ؟ وَهَل عَلَّمَكَ مُرَاقَبَةَ اللَّهِ فِي خَلَوَاتِكَ؟ وَهَل رَبَّاكَ عَلَى الإِخلَاصِ لِلَّهِ وَحدَهُ فِي أَعمَالِكَ؟ وَهَل رَغَّبَكَ فِي الإِحسَانِ إِلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ؟ وَهَل قَادَكَ إِلَى صِلَةِ أَرحَامِكَ؟ وَهَل.. وَهَل.. وَهَل...؟ أَسئِلَةٌ كَثِيرَةٌ يَجِبُ أَن تَسأَلَهَا نَفسَكَ لِتَعلَمَ مَدَى تَحقِيقِكَ لِمَقصِدِ الصِّيَامِ وَجَوهَرِهِ: ﴿لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾، حَتَّى لَا يَكُونَ الصِّيَامُ مُجَرَّدَ شَعِيرَةٍ تَقلِيدِيَّةٍ شَكلِيّةٍ مُفَرّغَةٍ مِن رُوحِهَا وَجَوهَرِهَا.
 

أَخِي الـمُبَارَك:

إِنّ مِن أَعظَمِ عُبُودِيَّاتِ شَهرِ رَمَضَانَ: قِيَامَ اللَّيلِ، تِلكَ العِبَادَةُ الَّتِي يَجِدُ فِيهَا المُؤمِنُ أُنسَهُ وَسُرُورَ قَلبِه، فَيَسمُو بِرُوحِهِ إِلى خَالِقِهِ، مُتَفَكّرًا فِي جَلَالِهِ وَجَمَالِهِ، صافًّا قَدَميهِ بخُشوعٍ لربِّه، مُنصِتًا إِلَى كَلَامِهِ، مُتَلَذّذًا بِمُنَاجَاتِهِ، مُتَأَمّلًا نَعِيمَ الجَنَّةِ وَجَمَالَهَا، تائِقةً نَفسُه إِلَيها، مُلقِيًا هُمُومَ الدُّنيَا وَأَحزَانَهَا، زاهِدًا فِي زِينَتِهَا ومَتَاعِهَا.

فَمَا أَعظَمَهَا مِن عِبَادَةٍ! وَمَا أَجَلَّهَا مِن طَاعَةٍ! لَا يُوَفّقُ لَهَا حَقًّا إِلَّا مَنِ امتَلَأَ قَلبُهُ حُبًّا لِرَبِّهِ وَعُبُودِيَّةً لَه: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ.

فَإِذَا قُمتَ بَينَ يَدَي مَولَاكَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالقِيَامِ فَأَقبِلْ عَلَيهِ بِبَدَنِكَ وَقَلبِك، وَحِينَئِذٍ لَن يروِيَ عَطَشَ فُؤادِكَ، وَلن يَسُدَّ جَوعَتَه إِلَّا حُسْنُ القِيَامِ وَطُولُ السُّجُودِ، وكَمالُ الخُشوعُ وَخَالِصُ الدُّعَاء، وَسَتَهفُو نفسُكَ إلى حالِ مَن قَالَ اللَّهُ عَنهُم: كَانُوا ‌قَلِيلًا ‌مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، أوَ قَالَ عَنهُم: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ‌ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ، فَإِن كُنتَ مُقَصّرًا فِي قِيَامِ اللَّيلِ طِوَالَ العَامِ فَلَا تُقَصِّرَنَّ فِي رَمَضَانَ، فَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ، تَصبِرُ فِيهَا قَلِيلًا لِتَجنِيَ أَعظَمِ الأَربَاحِ، فَقَد قَالَ نَبِيُّنَا عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِهِ».

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِن الآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم، فَيَا فَوزَ المُستَغفِرِينَ!


 

الخطبة الثانية

الحَمدُ لِلَّهِ وَحدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَن لَا نَبِيَّ بَعدَهُ، وَبَعدُ:

عِبَادَ اللَّهِ:

يُقبِلُ عَلَينَا شَهرُ رَمَضَانَ، وَتُقبِلُ مَعَهُ النَّفَحَاتُ الإِيمَانِيَّةُ، وَالبَرَكَاتُ الرَّحمَانِيَّةُ، فَيَتَنَافَسُ المُؤمِنُونَ المُوَفَّقُونَ لِتَحقِيقِ العُبُودِيَّةِ لِلرَّحمَنِ، وَيَتَكَاسَلُ المَغبُونُونَ الخَاسِرُونَ عَن تَحقِيقِ الدَّرَجَاتِ العُلَى مِن الإِيمَانِ، وَيَتَكَالَبُ المُجرِمُونَ وَالكَافِرُونَ عَلَى المُسلِمِينَ لِإِشغَالِهِم عَن اغتِنَامِ بَرَكَاتِ رَمَضَانَ، فَأَينَ مَوقِعُكَ مِن هَؤُلَاءِ؟

اعلَم أَخِي المُوَفَّقُ أَنَّكَ فِي مِضمَارِ رَمَضَانَ أَمَامَ تَحَدٍّ عَظِيمٍ، فَأَنتَ تُبصِرُ أَمَامَكَ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ، فِيهَا مِن الحُورِ وَالقُصُورِ، وَالخَدَمِ وَالوِلدَانِ، وَفَوقَ ذَلِكَ كُلِّهِ رِضَا الرَّبِّ جلَّ وَعَلا، وَيَحدُوكَ إِلَيهَا مَا تَتَلَهّفُ إِلَيهِ نَفسُكَ مِن الفَوزِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجهِ رَبِّكَ وَخَالِقِكَ، فَبَينَمَا تَسمُو نَفسُكَ إِلَى ذَاكَ النَّعِيمِ العَظِيمِ الدَّائِمِ، تَحِينُ مِنكَ التِفَاتَةٌ، فَتَرَى عَن يَمِينِكَ وَشِمَالِكَ مُلهِيَاتٍ عَاجِلَةً وَشَهَوَاتٍ حَاضِرَةً، تَضَعُكَ فِي اختِبَارٍ حَقِيقِيٍّ: هَل تَصبِرُ قَلِيلًا لِتَغنَمَ طَوِيلًا؟ وَهَل تُؤثِرُ مَا يَبقَى عَلَى مَا يَفنَى؟ وَهَل تَرقَى بِرُوحِكَ إِلَى النَّعِيمِ الأُخرَوِيِّ أَم تَرضَى بِلَذَّةٍ عَابِرَةٍ مَشُوبَةٍ بِالكَدَرِ؟

أَخِي المُؤمِن:

إِنَّ مِن الأُسُسِ الكُبرَى الَّتِي تُسَاعِدُكَ عَلَى تَحقِيقِ العُبُودِيَّةِ لِلَّهِ فِي رَمَضَانَ أَن تَبتَعِدَ عَن الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، فَإِنَّ القَلبَ إِذَا ارتَكَبَ المَعَاصِيَ مَرِضَ وَأَظلَمَ، وَغَطّى عَلَيهِ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَولِهِ: كَلَّا بَل ‌رَانَ ‌عَلَى ‌قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ، فَلَا يَتَلَذّذُ بِعِبَادَةٍ، وَلَا يَخشَعُ لِتِلَاوَةٍ، وَلَا يَدمَعُ لِمَوعِظَةٍ، فَحِينَئِذٍ يَتَمَكّنُ مِنهُ الشَّيطَانُ، وَتَخفِتُ فِي قَلبِهِ أَنوَارُ الإِيمَانِ.

أَخِي المُسلِمُ:

إِنَّ مِن أَعظَمِ الوَسَائِلِ الَّتِي تُحَقّقُ بِهَا العُبُودِيَّةَ لِلَّهِ: الإِكثَارَ مِن دُعَاءِ اللَّهِ، فَالدُّعَاءُ مِن أَجَلِّ وَأَجلَى مَظَاهِرِ العُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَشَهرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهرُ الدُّعَاءِ، وَفِيهِ مِن أَوقَاتِ الإِجَابَةِ مَا لَيسَ فِي غَيرِهِ، وَقَد أَشَارَ رَبُّنَا تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ وَسَطَ آيَاتِ الصِّيَامِ فَقَالَ: وَإِذَا سَأَلَكَ ‌عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لِي وَليُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ. فَأَكثِر مِن الدُّعَاءِ فِي كُلّ وَقتٍ، وَخُصَّ أَوقَاتَ الإِجَابَةِ بِمَزِيدٍ مِن الدَّعَوَاتِ.
 

وَأَعظَمُ الدَّعَوَاتِ الَّتِي تَدعُو بِهَا: أَن تَسأَلَ اللَّهَ الهِدَايَةَ لِلصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَالثَّبَاتَ عَلَيهِ، وَتَطلُبَ مِنهُ المَعُونَةَ عَلَى تَحقِيقِ العُبُودِيَّةِ لَهُ وَالتَّسلِيمِ لِأَحكَامِهِ، وَتَسأَلَهُ أَن يُعِينَكَ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا، وَتَطلُبَ مِنهُ أَن يَغفِرَ لَكَ ذُنُوبَكَ وَخَطَايَاكَ.
 

ثُمّ صَلّوا وَسَلّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
 

اللَّهُمَّ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم، غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِّينَ. اللَّهُمَّ أَعِنّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ. اللَّهُمَّ ارزُقنَا تَحقِيقَ العُبُودِيَّةِ لَكَ، وَتَمَامَ التَّسلِيمِ لِحُكمِكَ، اللَّهُمَّ أَعِنّا عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا. اللَّهُمَّ اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا كُلَّهَا، دِقَّهَا وَجِلّهَا، أَوّلَهَا وَآخِرَهَا، عَلَانِيَتَهَا وَسِرّهَا. اللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
 

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
 

 

شارك المحتوى: