خطبة (ملّة إبراهيم عليه السلام)

خطبة (ملّة إبراهيم عليه السلام)

عنوان الخطبة: ملّة إبراهيم عليه السلام

عناصر الخطبة:

 ۱- فضل إبراهيم عليه السلام.
۲- الله تعالى يأمر رسوله ﷺ باتباع ملة إبراهيم عليه السلام.
۳- ما هي ملة إبراهيم عليه السلام؟
٤- تحريف المشركين ملة إبراهيم عليه السلام.
٥- تحريف اليهود والنصارى ملة إبراهيم عليه السلام.

 

 

الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ، أَمّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعصُوهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ ‌الصَّادِقِينَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ:

مِن حِكمَةِ اللَّهِ وَرَحمَتِهِ بِالخَلقِ، أَنّهُ أَرسَلَ إِلَيهِم الرُّسُلَ الكِرَامَ، يَدعُونَهُمْ إِلَى الهُدَى وَالِاستِقَامَةِ، وَيَأخُذُونَ بِأَيدِيهِم إِلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ وَالسَّلَامَةِ، فَاصطَفَاهُم سُبحَانَهُ مِن خِيرَةِ الخَلقِ، وَاصطَنَعَهُم لِنَفسِهِ لِيَكُونُوا قَوّامِينَ بِالحَقِّ.
 

وَمِن خِيرَةِ الرُّسُلِ نَبِيُّ اللَّهِ إِبرَاهِيمُ عليه السلام، الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا، وَجَعَلَهُ لِلأَنبِيَاءِ أَبًا وَلِلنَّاسِ إِمَامًا، وَأَمَرَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِأَن يَتّبِعَ مِلَّتَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ إِبرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنعُمِهِ اجتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ * وَآتَينَاهُ فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ، وَسَفّهَ اللَّهُ تَعَالَى مَن أَعرَضَ عَن هَذِهِ المِلّةِ، فَقَالَ: وَمَن يَرغَبُ عَن مِلَّةِ إِبرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفسَهُ.

 

إِخوَةَ الإِسلَامِ:

إِنّ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ عليه السلام مِلَّةٌ ظَاهِرَةٌ جَلِيّةٌ، بَيّنَهَا رَبّنَا سُبحَانَهُ فِي كِتَابِهِ، حَتَّى لَم يَدَعْ لِأَحَدٍ بَيَانًا بَعدَ بَيَانِهِ، فَمِلّتُهُ عليه السلام هِيَ الحَنِيفِيّةُ الَّتِي أَعلَنَهَا بِقَولِهِ: إنِّي وَجهتُ وَجهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرضَ حَنِيفاً وَمَا أنَا مِنَ المُشرِكِينَ.

فَالحَنِيفِيّةُ مِلّةُ إِبرَاهِيمَ: هِيَ العُبُودِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّسلِيمُ لِشَرعِهِ، وَعَدَمُ الِاستِكبَارِ أَو الِاعتِرَاضِ عَلَى أَمرِهِ، فَلَقَدْ أَسلَمَ إِبرَاهِيمُ وَجهَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاستَسلَمَ لِأَمرِهِ حَتَّى فِي ذَبحِ ابنِهِ، وَابتَلَاهُ اللَّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ؛ طَاعَةً لِلَّهِ وَاطمِئنَانًا لِحُكمِهِ.

الحَنِيفِيّةُ مِلّةُ إِبرَاهِيمَ: هِيَ تَوحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادَتِهِ، وَإِخلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَحدَهُ، وَالإِعرَاضُ عَن كُلّ مَعبُودٍ سِوَاهُ، فَلَا يُدعَى غَيرُ اللَّهِ، وَلَا يُلتَجَأُ إِلَى غَيرِ اللَّهِ، لِأَنّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَم يَلِدْ وَلَم يُولَدْ، وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَلِأَجلِ ذَلِكَ جَادَلَ إِبرَاهِيمُ عليه السلام قَومَهُ فِي عِبَادَتِهِم لِلكَوَاكِبِ، ثُمّ حَطّمَ أَصنَامَهُم لِيُقِيمَ الحُجّةَ عَلَيهِم فِي ضَعفِهَا وَبُطلَانِ عِبَادَتِهَا، حَتَّى أَلقَوهُ فِي النَّارِ، فَكَانَ اللَّهُ وَلِيَّهُ وَنَاصِرَهُ.
 

الحَنِيفِيّةُ مِلّةُ إِبرَاهِيمَ: هِيَ البَرَاءَةُ مِن الكُفرِ وَأَهلِهِ، فَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أُسوَةً لِلمُؤمِنِينَ فَقَالَ سُبحَانَهُ: قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَحدَهُ.
 

فَهَذِهِ مِلَّةُ إِبرَاهِيمَ عليه السلام الَّتِي كَانَ عَلَيهَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ، وَكَانَ عَلَيهَا جَمِيعُ الأَنبِيَاءِ، فَهِيَ مِلَّةُ يَعقُوبَ الَّتِي وَصّى بِهَا بَنِيهِ، وَهِيَ مِلّةُ مُوسَى وَهَارُونَ، وَدَاوُدَ وَسُلَيمَانَ، وَيَحيَى وَعِيسَى عليهم السلام، فَالأَنبِيَاءُ وَإِن اختَلَفَت شَرَائِعُهُم التَّفصِيلِيَّةُ، إِلَّا أَنّ مِلّتَهُم وَدِينَهُم وَاحِدٌ، كَمَا قَالَ ﷺ: «الأَنبِيَاءُ إِخوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمّهَاتُهُم شَتّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
 

عِبَادَ اللَّهِ:

مِلَّةُ إِبرَاهِيمَ عليه السلام مِلّةٌ بَرِيئَةٌ مِن الكُفرِ وَالبُهتَانِ، وَمِن أَهلِ الأَوثَانِ وَالصُّلبَانِ، وَإِنّ مِن قَلبِ الحَقَائِقِ وَتَحرِيفِهَا، أَن يُنسَبَ إِبرَاهِيمُ إِلَى الرِّضَا بِالكُفرِ بِاَللَّهِ، وَالتَّسوِيَةِ بَينَ الحَقّ وَالبَاطِلِ، أَو أَن يَدّعِيَ المُشرِكُ والكَافِرُ، أَنّهُ يَنتَسِبُ إِلَى إِبرَاهِيمَ عليه السلام، كَمَا نَسمَعُ اليَومَ مِن أَصحَابِ الدَّعَوَاتِ الهَدّامَةِ، الَّتِي تَبتَغِي هَدمَ الإِسلَامِ وَتَقوِيضَ أُصُولِهِ، وَالعَبَثَ بِمُسلّمَاتِهِ وَثَوَابِتِهِ، وإِذابَةَ حُدودِه ومَعالـِمِه.
 

وَلَقَد كَانَ مُشرِكُو قُرَيشٍ يَدَّعُونَ أَنّهُم عَلَى دِينِ إِبرَاهِيمَ عليه السلام، وَيَنسِبُونَ إِلَيهِ ضَلَالَاتِهِم كَذِبًا وَزُورًا، كَمَا رَوَى البُخَارِيُّ عَن ابنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لمَّا قَدِمَ (يَعنِي إِلَى مَكَّةَ يَومَ فَتحِهَا)، أَبَى أَن يَدخُلَ البَيتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخرِجَت، فَأَخرَجُوا صُورَةَ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ عليهما السلام فِي أَيدِيهِمَا الأَزلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! أَمَا وَاللَّهِ لَقَد عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَم يَستَقسِمَا بِهَا قَطّ».
 

فَالمُشرِكُونَ - كَمَا أَخبَرَ النَّبِيّ ﷺ - كَانُوا يَعلَمُونَ أَنّهُم كَاذِبُونَ مُزَوِّرُونَ عَلَى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ عليهما السلام، فَإِنَّهُم كَانُوا يَعلَمُونَ أَنّ أَوَّلَ مَن أَحدَثَ الِاستِقسَامَ بِالأَزلَامِ -وَهُوَ الضَّرْبُ بِالقِدَاحِ لِكَشفِ الغَيبِ- هُوَ عَمرُو بنُ لُحَيّ الخُزَاعِيّ، مُجَدِّدُ مِلَّةِ الشِّركِ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَمّا إِبرَاهِيمُ وَإِسمَاعِيلُ عَلَيهِمَا السَّلَامُ فَبَرِيئَانِ مِن هَذِهِ الفِريَةِ.

وَبِمِثلِ هَذَا التَّزوِيرِ انتَسَبَ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى إِلَى إِبرَاهِيمَ عليه السلام أَيضًا، وَادَّعَوا أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِهِم، فَبَرّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.
 

يَقُولُ ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما: «اجتَمَعَتْ نَصَارَى نَجرَانَ وَأَحبَارُ يَهُودَ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَنَازَعُوا عِندَهُ، فَقَالَتِ الأَحبَارُ: مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ إِلّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ إِلَّا نَصرَانِيًّا، فَأَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِم: يَا أَهلَ الكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعدِهِ أَفَلَا تَعقِلُونَ * هَاأَنتُم هَؤُلَاءِ حَاجَجتُم فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ * مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُسلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ * إِنَّ أَولَى النَّاسِ بِإِبرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤمِنِينَ».

 

فَهَذِهِ الآيَاتُ صَرِيحَةٌ فِي تَكذِيبِ أَهلِ الكِتَابِ فِي انتِسَابِهِم إِلَى إِبرَاهِيمَ عليه السلام، وَتَبرِئَةِ الخَلِيلِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُشرِكِينَ، وَأَنّهُ حَنِيفٌ مُسلِمٌ، وَأَنّ أَولَى النَّاسِ بِهِ مَن آمَنَ بِهِ مِن أُمَّتِهِ، وَهَذَا النَّبِيُّ - وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ- وَمَن آمَنَ مَعَهُ، فَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهُم أَولَى بِهِ مِن غَيرِهِم، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّهُم وَنَاصِرُهُم وَمُؤَيِّدُهُم، وَأَمَّا مَن نَبَذَ مِلَّتَهُ وَرَاءَ ظَهرِهِ كَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُشرِكِينَ، فَلَيسُوا مِن إِبرَاهِيمَ وَلَيسَ مِنهُم، وَلَا يَنفَعُهُم مُجَرّدُ الِانتِسَابِ، الخَالِي مِن الصَّوَابِ، قَالَ تَعَالَى: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَو نَصَارَى تَهتَدُوا قُل بَل مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ وَالسُّنّةِ، وَنَفَعنَا بِمَا فِيهِمَا مِن الآيَاتِ وَالحِكمَةِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ مِن كُلِّ ذَنبٍ فَاستَغفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية

الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، وَبَعدُ:
 

إِخوَةَ الإِسلَام:

الدِّينُ الحَقُّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الإِسلَامُ، لَا يَقبَلُ اللَّهُ غَيرَهُ، وَلَا يَنجُو مِن العَذَابِ إِلَّا مَن دَانَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ.
 

وَإِنّ مِنْ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَوَدّ لَو تَرَكَ المُسلِمُونَ دِينَهُم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ، وَلِذَلِكَ حَذّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِن طَاعَتِهِم لِأَنَّها سَتُؤَدّي بِنَا إِلَى الكُفرِ وَتَركِ الإِسلَامِ، فَقَالَ جَلّ شَأنُهُ: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعدَ إِيمَانِكُم كَافِرِينَ.
 

إِنَّ المُسلِمَ الَّذِي يَقرَأُ فِي كُلّ رَكعَةٍ مِن صَلَاتِهِ قَولَهُ تَعَالَى: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِّينَ، لَا يَستَقِيمُ لَهُ أَبَدًا أَن يَضَعَ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ فِي صَفّ المُسَاوَاةِ مَعَ سَبِيلِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَالضَّالِّينَ، أَو يَظُنَّ أَنَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ المُختَلِفَةِ تُؤَدّي إلى الله، صِرَاطَ الإسلَامِ وَغَيرَهُ مِنَ الطُّرُق!
 

وَهَذَا الصِّرَاطُ هُوَ صِرَاطُ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِن النَّبِيِّينَ أَجمَعِينَ، فَقَد كَانَ مُوسَى وَعِيسَى وَجَمِيعُ أَنبِيَاءِ بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَيهِم السَّلَامُ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ، حَتَّى جَاءَ اليَهُودُ فَبَدّلُوا دِينَهُم إِلَى يَهُودِيَّةٍ مُحَرَّفَةٍ، تَطعَنُ فِي الأَنبِيَاءِ وَتَكْفُرُ بِرَبّ السَّمَاءِ، وَجَاءَ النّصَارَى فَبَدّلُوا دِينَهُم إِلَى دِينِ شِركٍ وَتَثلِيثٍ وَاعتِقَادِ ابنٍ لِلَّهِ، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَن إِفكِهِم، فَلَم يَبقَ مُسلِمٌ نَاجٍ عِندَ اللَّهِ إِلّا المُسلِمِينَ أَتبَاعَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
 

عِبَادَ اللَّهِ:

فَرقٌ بَينَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِن مُعَامَلَةِ كَفَرَةِ أَهلِ الكِتَابِ المُسَالِمِينَ بِالإِحسَانِ إِلَيهِم وَالعَدلِ مَعَهُم، وَبَيْنَ أَن نُزِيلَ الحُدُودِ فَنُذِيبَ دِينَنَا فِي دِينِهِم، وَنُسَوِّيَ بَينَ الإِسلَامِ وَالكُفرِ، وَنَجعَلَ الكُلّ طَرِيقًا إِلَى اللَّهِ، وَنَجمَعَ بَينَ المَسجِدِ وَالكَنِيسَةِ وَالكَنِيسِ، وَنَدّعِيَ أَنَّهَا جَمِيعَهَا عَائِلَةٌ إِبرَاهِيمِيّةٌ تَتبَعُ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ عليه السلام، فَهَذَا ضَلَالٌ عَظِيمٌ، وَانحِلَالٌ مِن الدِّينِ، وَكُفرٌ مُبِينٌ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى السِّرَاجِ المُنِير، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.

اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبُنَا عَلَى دِينِكَ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبُنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ، اللَّهُمَّ اهدِنَا لِمَا اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِكَ إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ. اللَّهُمَّ أَصلِحْ أَحوَالَ المُسلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. اللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

شارك المحتوى: