خطبة السُّبُّوحُ القُدُّوس

خطبة السُّبُّوحُ القُدُّوس

عنوان الخطبة: السُّبُّوحُ القُدُّوس

عناصر الخطبة:

١- مَعْنَى السُّبُّوحِ القُدُّوسِ.

٢- عُبُودِيَّةُ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ.

٣- كَيْفَ أُسَبِّحُ اللهَ وَأُقَدِّسُهُ؟

الحمدُ للهِ ذِي الجَلالِ وَالكَمالِ، تَنَزَّهَ عَنِ النِّدِّ وَالمِثَالِ، وَتَقَدَّسَ عَنِ العَيْبِ وَالزَّوَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عَبْدَ اللهِ:

أخبرَنا نبيُّنا ﷺ عن مَشْهَدٍ مَهِيبٍ، رَآهُ يَوْمَ مِعْرَاجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، هذا المشهدُ عن مكانٍ يُدعى البَيْتَ المَعْمُورَ، وَحَدَّثَنَا نبيُّنا ﷺ عَنْ زُوَّارِهِ مِنَ المَلَائِكَةِ الكِرَامِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، أَتَدْرِي مَاذَا يَفْعَلُونَ فِيهِ؟

لَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ جِبْرِيلَ عَنْهُ فَقَالَ: «هَذَا بِنَاءٌ بَنَاهُ اللهُ لِلْمَلَائِكَةِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، يُقَدِّسُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ، لَا يَعُودُونَ فِيهِ» تفسير الطبري (٢١/٥٦٦)، والإيمان لابن منده (٧٠٦)، من حديث أنس رضي الله عنه، وإسناد ابن منده صحيح. (١).

التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ عِبَادَةٌ لَا تَجُوزُ إِلَّا لِلَّهِ السُّبُّوحِ القُدُّوسِ.

أَوَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ المَلَائِكَةِ لِرَبِّ العَالَمِينَ: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟

هَذَا نَبِيُّنَا ﷺ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» صحيح مسلم (٤٨٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها. (٢).

وَكَانَ مِمَّا يَقُولُهُ ﷺ إِذَا هَبَّ مِنَ اللَّيْلِ وَيُكَرِّرُهُ عَشْرًا: «سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ» سنن أبي داود (٥٠٨٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (٣/٢٤٩): «حسن صحيح». (٣)، وَكَانَ إِذَا انْتَهَى مِنْ صَلَاةِ الوِتْرِ قَالَ أَيْضًا: «سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ» سنن أبي داود (١٤٣٠)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١٢٨٤) (٤).

وَوَصَّى نَبِيُّنَا ﷺ نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ فَقَالَ: «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ» جامع الترمذي (٣٥٨٣)، من حديث يُسيرة رضي الله عنها، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (٢٨٣٥). (٥)، وَفِي لَفْظٍ: «وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوْحِيدَ» المستدرك (٢٠٠٧)، من حديث يُسَيرة رضي الله عنها، وحسنه الألباني في السلسلة الضعيفة (١/١٨٦). (٦).

أَتَدْرِي مَا مَعْنَى السُّبُّوحِ القُدُّوسِ، وَمَا التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ؟

السُّبُّوحُ القُدُّوسُ هُوَ الطَّاهِرُ المُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَالمُبَرَّأُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ لَا يَلِيقُ بِالإِلَهِ الحَقِّ، وَهُوَ اللهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، الَّذِي سَبَّحَ نَفْسَهُ، وَسَبَّحَتْ بِحَمْدِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، سَبَّحَ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، تُسَبِّحُ لَهُ الجِبَالُ الرَّوَاسِي، وَالطَّيْرُ العَوَالِي.

قَالَ سُبْحَانَهُ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ‌الْمَلِكِ ‌الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

إِنَّ تَسْبِيحَ اللهِ وَتَقْدِيسَهُ إِقْرَارُ العَبْدِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَعَمَلِهِ، أَنَّ اللهَ لَهُ الكَمَالُ كُلُّهُ، بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ.

وَهَذَا التَّسْبِيحُ وَظِيفَةُ الكَوْنِ كُلِّهِ، جَمِيعُ مَا فِيهِ يُسَبِّحُ رَبَّهُ وَيُنَزِّهُهُ وَيُقَدِّسُهُ.

أَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا ‌يُسَبِّحُ ‌بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا؟

إِنَّ اللهَ شَرَعَ لِعِبَادِهِ تَسْبِيحَهُ، وَدَعَاهُمْ إِلَى فِعْلِ ذلك كُلَّ وَقْتٍ وَحِينٍ، فَأَمَرَهُمْ بِتَسْبِيحِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، حِينَ يُمْسُونَ وَحِينَ يُصْبِحُونَ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، وَآنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فِي رُكُوعِهِمْ وَسُجُودِهِمْ.

قَالَ تَعَالَى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * ‌وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا .

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ‌وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى.

وَلَكِنْ كَيْفَ أُسَبِّحُ اللهَ وَأُقَدِّسُهُ؟

إِلَيْكَ هَذِهِ الثُّلَاثِيَّةَ:

قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ‌فَسَبِّحْ ‌بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَقَالَ: ‌سَبِّحِ ‌اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقَالَ: ‌فَسَبِّحْ ‌بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ.

التَّسبيحُ بحَمدِ اللهِ، الأَعلى، العَظيمِ، هُوَ تنزيهُ اللهِ: لِحمدِهِ، ولعُلُوِّه، وَلعَظَمَتِه.

فتسبِّحهُ لاعتقادِكَ حمدَه وكَمَالَهُ، وَهَذا يَجعلُكَ تُثبِتُ لَهُ أَكمَلَ الـمَحامِدِ، وتَنفِي عَنهُ كُلَّ النَّقائِصَ وَالمعايِب.

وتُسبِّحه لِأنَّهُ العَلِيُّ الأَعلى، الذِي تعالَى عَنِ كلِّ نَقْصٍ أَو شَرِيك أو وَلَد.

وتُسبِّحُه لأنَّه العَظيمُ الجَليل، الذِي لَهُ عظَمَةُ الذَّاتِ والصِّفاتِ وَالأَفعَال.

قالَ سُبحَانَهُ: ‌قُلْ ‌لَوْ ‌كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وقَالَ جلَّ شأنُه: وَأَنَّهُ ‌تَعَالَى ‌جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا.

تُسَبِّحُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، تُسَبِّحُهُ بِاسْمِهِ الحَيِّ عَنِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالمَوْتِ، وَتُسَبِّحُهُ بِاسْمِهِ الأَحَدِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالوَلَدِ، وَتُسَبِّحُهُ بِاسْمِهِ العَزِيزِ القَدِيرِ القَوِيِّ عَنِ الضَّعْفِ وَالعَجْزِ وَالنَّصَبِ، وَتُسَبِّحُهُ بِاسْمِهِ العَلِيمِ عَنِ النِّسْيَانِ وَالجَهْلِ، وَتُسَبِّحُهُ بِاسْمِهِ الحَكِيمِ عَنِ العَبَثِ وَالبَاطِلِ، وَتُسَبِّحُهُ بِأَسْمَائِهِ الشَّهِيدِ وَالسَّمِيعِ وَالبَصِيرِ عَنِ الغَفْلَةِ وَالغِيَابِ عَنْ خَلْقِهِ، وَتُسَبِّحُهُ بِأَسْمَائِهِ الكَرِيمِ وَالجَوَادِ وَالبَرِّ وَالوَهَّابِ عَنِ الفَقْرِ وَالبُخْلِ.

إِنَّ كُلَّ كَمَالَاتِ اللهِ وَمَحَامِدِهِ تَدْعُوكَ لِتَسْبِيحِهِ، وَتَدُلُّكَ عَلَى تَقْدِيسِهِ.

فَإِنَّهُ لِكَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، قَالَ سُبْحَانَهُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ ‌سِنَةٌ ‌وَلَا نَوْمٌ. وقال النبيُّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ» صحيح مسلم (١٧٩)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. (٧).

وَلِكَمَالِ عَظَمَتِهِ لا تُحِيطُ بِهِ العُقُولُ ولا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ، قَالَ سُبحَانَه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ‌وَلَا ‌يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، وقَالَ: ‌لَا ‌تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

ولِعَظيم مُلكِه تنزَّهَ عن نُقصَانِ خَزَائنِهِ، قالَ سُبحانَهُ في الـحَديثِ الإِلهيّ: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» صحيح مسلم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه. (٨).

وَلِكَمَالِ عِلْمِهِ لَا يَضِلُّ وَلَا يَنْسَى، قَالَ سُبحَانَهُ: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ‌لَا ‌يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى.

وَلِكَمَالِ قُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَمَسُّهُ نَصَبٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلى مَعُونَةِ أَحَدٍ، قَالَ سُبحَانَهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ ‌لُغُوبٍ.

وَلِكَمَالِ سُلْطَانِهِ يَحْكُمُ وَلَا مُبَدِّلَ لِحُكْمِهِ وَلَا مُغَيِّرَ، قَالَ سُبحَانَهُ: ‌وَاللَّهُ ‌يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.

وَلِكَمَالِ عِزَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، قَالَ سُبحَانَهُ: وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ ‌مِنَ ‌الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا.

وَلِكَمَالِ غِنَاهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، قَالَ سُبحَانَهُ: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ‌هُوَ ‌الْغَنِيُّ.

وَلِكَمَالِ عَدْلِهِ لَا يَظْلِمُ وَلَوْ أَقَلَّ ظُلمٍ، قَالَ سُبحَانَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.

وَلِكَمَالِ حِكْمَتِهِ تَنَزَّهَ عَنِ العَبَثِ، الخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْهِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ ‌وَمَا ‌بَيْنَهُمَا ‌بَاطِلًا.

وَلِكَمَالِ قَهْرِهِ لَا يَخْشَى العَوَاقِبَ، قَالَ سُبحَانَهُ في قَومِ ثَمودَ: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ‌فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا.

وَلِكَمَالِ أَحَدِيَّتِهِ لَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا كُفُؤَ وَلَا عِدْلَ، قَالَ سُبحَانَهُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ‌كُفُوًا أَحَدٌ، وقال لَيْسَ ‌كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.

وَلِكَمَالِ طِيبِهِ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَيَنْهَى عَنِ الخَبَائِثِ وَالفَوَاحِشِ وَالطُّغْيَانِ، قَالَ سُبحَانَهُ: قُلْ إِنَّ اللَّهَ ‌لَا ‌يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، وَبَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ تَسْبِيحَ اللهِ وَتَقْدِيسَهُ كَمَا يَكُونُ بِالقَوْلِ يَكُونُ بِالعَمَلِ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ أَنْ تُوَحِّدَهُ فِي عِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَعِدْلًا وَشَرِيكًا، فألبسَهُ ثَوْبَ الأُلُوهِيَّةِ زُورًا، فَقَدْ تَنَقَّصَ اللهَ، وَمَا سَبَّحَهُ وَلَا قَدَّسَهُ.

قالَ تَعالى فِي الحَدِيثِ الإِلهِيّ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا» صحيح البخاري (٤٤٨٢)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (٩).

إِنَّ الَّذِي يَعْتَرِضُ عَلَى حُكْمِ اللهِ وَشَرْعِهِ، ظَانًّا قُصُورَهُ أَوْ عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهِ لِهَذَا الزَّمَانِ، ثُمَّ يَسْتَبْدِلُ بِهِ التَّشْرِيعَاتِ الوَضْعِيَّةَ وَالمَنَاهِجَ الأَرْضِيَّةَ، لَمْ يُسَبِّحِ اللهَ وَلَمْ يُقَدِّسْهُ.

قَالَ تَعَالى لِهَؤُلَاءِ: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ ‌أَنْ ‌يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

لَقَدْ نَزَّهَ اللهُ كِتَابَهُ عَنِ الرَّيْبِ وَالبَاطِلِ وَالعِوَجِ، فَمَنْ أَحْسَنُ مِنْهُ حُكْمًا سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ؟!

إِنَّ الَّذِي يَسْخَطُ عَلَى قَدَرِ اللهِ وَيَظُنُّ فِيهِ ظَنَّ السَّوْءِ مَا نَزَّهَ اللهَ وَلَا قَدَّسَهُ، فَسُبْحَانَهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا الخَيْرَ، وَمَا مَآلُهُ الخَيْرُ، فَظُنَّ بِرَبِّكَ الخَيْرَ، فَإِنَّهُ القَائِلُ فِي الحَدِيثِ الإِلَهِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» صحيح البخاري (٧٤٠٥)، وصحيح مسلم (٢٦٧٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٠).

إِنَّ الَّذِي يَعْصِي رَبَّهُ بِتَرْكِ الوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ المُحَرَّمَاتِ بَحْثًا عَنِ الدُّنْيَا وَأَرْزَاقِهَا، مَا سَبَّحَ اللهَ وَمَا قَدَّسَهُ، إِذْ كَيْفَ يَظُنُّ مُؤْمِنٌ أَنَّ اللهَ يَرْزُقُهُ عَاصِيًا وَيَمْنَعُهُ طَائِعًا؟

إِنَّ اللهَ وَعَدَ فَقَالَ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ ‌مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَاللهُ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ، وَاللهُ يَحْفَظُ مَنْ حَفِظَهُ، وَلَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ.

بَلْ إِنَّ مِنْ جَمِيلِ مَا أَنْتَ سَامِعٌ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْصَى ابْنَيْهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ، فَكَانَ مِنْ وَصِيَّتِهِ: «وَآمُرُكُمَا بِسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ» مسند أحمد (٧١٠١)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٣٤). (١١).

اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

شارك المحتوى: