عنوان الخطبة: المسجد الأقصى
عناصر الخطبة:
١- شرف المسجد الأقصى ومدينة القُدس.
٢- المسجد الأقصى ميراث للمسلمين خاصة.
٣- الطريق إلى تحرير المسجد الأقصى ومدينة القُدس.
الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعصُوهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُون.
مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ:
خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ شَيءٍ، وَفَضّلَ بَعضَ مَا خُلِقَ بِحِكمَتِهِ، فَاختَارَ أُنَاسًا فَاصطَفَاهُم، وَأَوقَاتًا فَعَظّمَهَا، وَبِقَاعًا فَشَرّفَهَا، وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ.
وَمِمَّا شّرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِن البِقَاعِ مَدِينَةُ القُدسِ، المَدِينَةُ المُبَارَكَةِ، فِيهَا المَسجِدُ الأَقصَى، مَسرَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأُولَى القِبلَتَينِ، الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ.
هَذَا المَسجِدُ الَّذِي صَلّى نَبِيُّنَا ﷺ فِيهِ بِالأَنبِيَاءِ جَمِيعِهِم لَيلَةَ أُسرِيَ بِهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَرسِيخٌ لِوحدَةِ دِينِ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنّ مِلَّتَهُم وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الإِسلَامُ، وَأَنّهُم جَمِيعَهُم مُصَدِّقُونَ بِنَبِيّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ مُنَاصِرُونَ لَهُ، وَأَنّ أَتبَاعَهُم الحَقِيقِيّينَ هُم مَن آمَنَ بِهِم وَبِهَذَا النَّبِيِّ الخَاتَمِ بَعدَ بِعثَتِهِ، وَهُم المُسلِمُونَ، فَأَتبَاعُ إِبرَاهِيمَ هُم المُسلِمُونَ، وَأَتبَاعُ مُوسَى هُم المُسلِمُونَ، وَأَتبَاعُ عِيسَى هُم المُسلِمُونَ، وَهُم أَتبَاعُ مُحَمَّدٍ ﷺ.
بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا المَسجِدِ، وَفِيمَا حَولَهُ مِن أَرضِ الشَّامِ، وَجَعَلَهَا مَوطِنًا لِلأَنبِيَاءِ وَمُهَاجَرًا لَهُم، وَأَرضَ الرّبَاطِ وَالمَلَاحِمِ، وَجَعَلَهَا أَرضَ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ، كَمَا صَحّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَخَصّ اللَّهُ المَسجِدَ الأَقصَى بِفَضلٍ لَم يَجعَلهُ لِغَيرِهِ مِنَ المَسَاجِدِ سِوَى المَسجِدِ الحَرَامِ وَالمَسجِدِ النَّبَوِيِّ، فَجَعَلَ الصَّلَاةَ فِيهِ تَعدِلُ مِائَتَينِ وَخَمسِينَ صَلَاةً فِي غَيرِهِ مِن المَسَاجِدِ سِوَاهُمَا.
وَخَصّهُ بِتَشرِيعِ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَيهِ، فَلَا يُشرَعُ السَّفَرُ لِبُقعَةٍ بِقَصدِ العِبَادَةِ فِيهَا إِلّا المَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا تُشَدّ الرِّحَالُ إِلّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسجِدِ الحَرَامِ، وَمَسجِدِ الرّسُولِ ﷺ، وَالـمَسجِدِ الأَقصَى».
وَالمَسجِدُ الأَقصَى ثَانِي مَسجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرضِ بَعدَ المَسجِدِ الحَرَامِ، فَقَد رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ فِي صَحِيحَيهِمَا عَن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَن أَوَّلِ مَسجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرضِ؟ قَالَ «المَسجِدُ الحَرَامُ» قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «المَسجِدُ الأَقصَى»، قُلتُ: كَم بَينَهُمَا؟ قَالَ: «أَربَعُونَ عَامًا».
إِخوَةَ الإِيمَانِ:
أَسّسَ يَعقُوبُ بنُ إِسحَاقَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ بَيتَ المَقدِسِ، ثُمَّ لَمّا أَورَثَ اللَّهُ تَعَالَى المُؤمِنِينَ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ الأَرضَ المُبَارَكَةَ بِالشَّامِ، تَوَلّى سُلَيمَانُ عليه السلام تَجدِيدَ عِمَارَتِهِ، ثُمّ انحَرَفَ بَنُو إِسرَائِيلَ، وَكَفَرَ أَكثَرُهُم بِاَللَّهِ، وَقَتَلُوا الأَنبِيَاءَ، وَحَرّفُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَيهِم مِن الكِتَابِ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ، وَصَارَ المَسجِدُ الأَقصَى بِيَدِ الرُّومِ الصّلِيبِيّينَ، حَتَّى فَتَحَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه الشَّام، فَعَادَ بَيتُ المَقدِسِ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ المُطِيعِينَ لَهُ، ثُمَّ ضَعُفَ المُسلِمُونَ وَعَاوَدَ الصَّلِيبِيُّونَ احتِلَالَهُ، حَتَّى حَرّرَهُ بِعَونِ اللَّهِ صَلَاحُ الدِّينِ.
وَفِي زَمَانِنَا هَذَا تَسَلَّطَ اليَهُودُ عَلَى بَيتِ المَقدِسِ وَاحتَلُّوهُ، وَجَاءَ الصّلِيبِيُّونَ يُبَارِكُونَ لَهُم، وَيُعِينُونَهُم عَلَى ذَلِكَ، وَيَبتَغُونَ إِهدَاءَهُم هَذَا المَسجِدَ العَظِيمَ، فَهِيَ هَدِيَّةُ مَن لَا يَملِكُ لِمَن لَا يَستَحِقّ، فِي ظِلِّ غَفلَةِ كَثِيرٍ مِن المُسلِمِينَ وَضَعفِهِم عَن القِيَامِ بِوَاجِبِهِم.
إِخوَةَ الإِسلَامِ:
إِنَّ المَسجِدَ الأَقصَى مِيرَاثٌ لِأَهلِ الإِسلَامِ مِن زَمَنِ الأَنبِيَاءِ، مِيرَاثٌ شَرِيفٌ، لَا يَستَحِقّهُ غَيرُهُم، وَلَا يَحِلّ لَهُم التَّهَاوُنُ فِيهِ، مِيرَاثٌ وَأَمَانَةٌ حَتمِيَّةُ الرِّعَايَةِ، وَوَاجِبَةُ الصّيَانَةِ، فَهُوَ حَقٌّ لِلمُسلِمِينَ، وَمَسؤُولِيَّةٌ عَلَيهِم، لَا يَجُوزُ التَّفرِيطُ بِشِبرٍ مِنهُ، وَلَا مِن مَدِينَةِ القُدسِ، وَلَا مِن أَرضِ فِلَسطِينَ أَو غَيرِهَا مِن بِلَادِ المُسلِمِينَ.
وَليسَ زَعمُ اليَهُودِ أَنَّهُم أَحَقُّ بِالمَسجِدِ لِكَونِهِم بَنِي إِسرَائِيلَ، وَأَنَّهُ هَيكَلُ نَبِيّهِم سُلَيمَان، سِوى زَعمٍ بَاطِلٍ كَاذِبٍ، فَإِنّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، وَيَقُولُ جَلّ وَعَلَا: وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، فَالأَرضُ كُلُّهَا لِلَّهِ، وَهُوَ قَد أَورَثَهَا المُؤمِنِينَ مِن عِبَادِهِ، فَلَيسَ لِكَافِرٍ حَقٌّ فِي أَرضٍ دُونَ عِبَادِ اللَّهِ المُؤمِنِينَ، فَكَيفَ بِمَسَاجِدِ اللَّهِ الَّتِي أَقَامَهَا سُبحَانَهُ لِيُذكُرَ فِيهَا وَيُعبَد، وَيُعَظّمَ فِيهَا وَيُوَحّد؟! أَفَيَجعَلُهَا سُبحانَه لِمَن لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيهِ وَجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ وَعَبدَ الطَّاغُوتِ؟ أَهَمُّ أَولَى بِمَسجِدِ الأَنبِيَاءِ وَقِبلَتِهِم مِن عِبَادِ اللَّهِ المُوَحّدِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ كُلَّمَا جَاءَهُم رَسُولٌ بِمَا لَا تَهوَى أَنفُسُهُم فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقتُلُونَ؟! أَتَكُونُ أَطهَرُ البِقَاعِ وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ فِي أَيدٍ نَجِسَةٍ لَا تَعرِفُ سِوَى السِّحرَ وَالكُفرَ، وَالغَدرَ وَالخِيَانَةَ، وَالإِفسَادِ في الأَرضِ وإيقَادِ الفِتَن، وَقَولَ الإِثمِ وَأَكلَ السُّحتِ؟
كَلَّا وَاَللَّهِ، وَإِنّ أَولَى النّاسِ بِإِبرَاهِيمَ وَالأَنبِيَاءِ مِن ذُرِّيَّتِهِ هُم أَتبَاعُهُمُ المُوَحِّدُونَ، وَنَبِيُّنَا ﷺ، وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، كَمَا قَالَ جَلّ وَعَلَا: إِنَّ أَولَى النَّاسِ بِإِبرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤمِنِينَ.
وَإِنّ مَن يَزعُمُ أَنّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ أَولَى بِمَسجِدٍ مِن مَسَاجِدِ اللَّهِ مِن عِبَادِ اللَّهِ المُؤمِنِينَ، لَهُوَ مِنَ المُنَافِقِينَ أَعدَاءِ الدِّينِ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
الوَاجِبُ عَلَى المُؤمِنِينَ أَن يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى مَن نَاوَأَهُم، مُجتَمِعِينَ عَلَى نُصرَةِ دِينِهِم وَمُقَدّسَاتِهِم، كَيفَ لَا وَقَد جَمَعَ اللَّهُ قُلُوبَهُم عَلَى تَوحِيدِهِ، وَوَحّدَ صَفّهُم عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِهِ، فَمَشرِقِيُّهِم أَخٌ لِمَغرِبَيِّهِم، وَعَرَبَيُّهِم وَلِيٌّ لِعَجَمَيِّهِم، وَالسَّعيُ فِي حِفظِ دِمَاءِ الـمُسلِمِينَ وَأَوطَانِهِم حَقٌّ عَلَى جَمِيعِهِم بِقَدرِ الإِمكَانِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ المُؤمِنِينَ: وَالَّذِينَ استَجَابُوا لِرَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمرُهُم شُورَى بَينَهُم وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ * وَاَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغيُ هُم يَنتَصِرُونَ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِن الآيَاتِ وَالحِكمَةِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ، فَاستَغفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ المُرسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ، وَبَعدُ:
مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ:
مَهمَا حَلّ بِالمُسلِمِينَ مِن الضَّعفِ وَالوَهَنِ، وَتَكَالُبِ الأَعدَاءِ، وَتَفَرُّقِ الكَلِمَةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُم أَن يَيأَسُوا وَيَقنَطُوا مِن رَوحِ اللَّهِ وَفَرَجِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُم أَن يَركَنُوا إِلَى حَالِ ذُلِّهِم وَضَعفِهِم، أَلَيسُوا أَحفَادَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، وَخَالِدِ بنِ الوَلِيدِ؟! أَلَيسُوا بَقَايَا طَارِقِ بنِ زِيَادٍ وَصَلَاحِ الدّينِ؟! أَلَيسَت هَذِهِ الأُمّةُ خَيرَ أُمّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ؟! أَيَرضَى بِالمَهَانَةِ وَالعَارِ مَن خُلِقَ مِن نَسلِ العِزّ وَالفَخَارِ؟! أَوَ يَخضَعُ لِبَنِي صَهيُونٍ مَن أَذَاقَهُمُ الدَّهرَ: الخِزيَ وَالهُون؟
إِنّ لِلَّهِ وَعدًا لَن يُخلِفَهُ، أَخبَرَنَاهُ رَسُولُهُ الصَّادِقُ المَصدُوقُ ﷺ، فَقَد رَوَى مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقتُلَهُمُ المُسلِمُونَ، حَتّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَو الشَّجَرُ: يَا مُسلِمُ! يَا عَبدَ اللَّهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي، فَتَعَالَ فَاقتُلهُ، إِلّا الغَرقَدَ، فَإِنّهُ مِن شَجَرِ اليَهُودِ».
فَإِذَا أَرَدتَ أَن تَعرِفَ طَرِيقَ الخَلَاصِ، وَسَبِيلَ العِزّ وَالتَّمكِينِ، فَتَأَمّل أَيُّهَا المُسلِمُ فِي هَذَا الحَدِيثِ، وَمَا فِيهِ مِن الأَوصَافِ الَّتِي يُنَادِيكَ بِهَا الحَجَرُ وَالشَّجَرُ: «يَا (مُسلِمُ)! يَا (عَبدَ اللَّهِ)! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي، فَتَعَالَ فَاقتُلهُ!». نَعَم، حِينَ يَكُونُ دِينُكَ، وَفِكرُكَ، وَأَفعَالُكَ، وَلِبَاسُكَ، وَعَادَاتُكَ، وَكُلُّ حَيَاتِكَ، تَابِعَةً مُنقَادَةً لِوَحيِ اللَّهِ، فَأَنتَ المُسلِمُ حقًّا لِلَّهِ، المُستَسلِمِ لِأَمرِهِ، وَأَنتَ المُنتَصِرُ بِإِذنِ اللَّهِ.
حِينَ تَجعَلُ اللَّهَ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن كُلِّ شَيءٍ، فَتُؤثِرَهُ عَلَى مَلَذّاتِكَ وَرَغَبَاتِكَ، وَآرَائِكَ وَأَهوَائِكَ، حِينَ تَقُومُ مِن نَومِكَ، تَسِيرُ فِي ظُلمَةِ الفَجرِ إِلَى بَيتِهِ لِتُؤَدّيَ بَعضَ حَقِّهِ عَلَيكَ، وَتَجتَنِبُ الحَرَامَ وَتُبغِضُهُ لِأَنّهُ نَهَاكَ عَنهُ، وَتَتَدَبّرُ كِتَابَهُ، وَتَتّبَعُ مُرَادَهُ، حِينَئِذٍ تَستَحِقُّ أَن تَكُون عَبدَ اللَّهِ، الَّذِي خَضَعَ لِعَظَمَتِهِ وَانقَادَ لِأَمرِهِ، فَشَرُفَ بِعُبُودِيَّتِهِ.
حِينَ نَبرَأُ مِن الدَّعَوَاتِ العَصرِيَّةِ لِلتَّحَرُّرِ عَن هَذِهِ العُبُودِيَّةِ، بَينَ (حُرِّيَّةِ الكُفرِ)، وَ(حُرِّيَّةِ التَّعَرّي)، وَ(حُرِّيَّةِ الزِّنَا)، وَ(حُرِّيَّةُ الرِّبَا)، حِينَ نَبرَأُ مِنهَا... وَنُقِيمُ مَوضِعَهَا العُبُودِيَّةَ وَالإِسلَامَ، فَقَد تَهَيّأنَا لِنَصرِ اللَّهِ وَتَأيِيدِهِ.
حِينَ تَكُونُ أَعمَالُنَا خَالِصَةً لِلرَّبِّ سُبحَانَهُ وَحدَهُ، نَعبُدُهُ بِمَا أَمَرَ، عَلَى الكَيفِيّةِ الَّتِي يُحِبّهَا، مُقتَدِينَ بِعَبدِهِ وَرَسُولِهِ نَبِيِّ الإِسلَامِ ﷺ، حَاذِرِينَ مِنَ البِدَعِ وَالشِّركِ، فَلَن يُخلِفَ اللَّهُ وَعدَهُ.
حِينَ يَكُونُ صِرَاعُنَا مُنطَلِقًا مِن وَصفِ (مُسلِم)، لَا مِن وَصفِ (عَرَبِيٍّ) وَلَا (وَطَنِيٍّ) وَلَا غَيرِهِ، سَيُحَارِبُ مَعَنَا الحَجَرَ وَالشَّجَرَ. وَاَللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لَا يُشرِكُونَ بِي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ.
عِبَادَ اللَّهِ: صَلّوا وَسَلّمُوا عَلَى مَن أُمِرتُم بِالصَّلَاةِ عَلَيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
اللَّهُمَّ حَرِّرِ المَسجِدَ الأَقصَى مِن رِجسِ يَهُودَ، وَارزُقنَا صَلَاةً فِيهِ قَبلَ المَمَاتِ، وَاجعَلهُ شَامِخًا عَزِيزًا إِلَى يَومِ الدِّينِ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنفَدُ، وَقُرّةَ عَينٍ لَا تَنقَطِعُ، وَنَسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ، وَنَسأَلُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، وَنَسأَلُكَ لَذّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجهِكَ، وَالشَّوقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيرِ ضَرّاءَ مُضِرّةٍ وَلَا فِتنَةٍ مُضِلّةٍ، اللَّهُ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.