خطبة (عذاب النار)

خطبة (عذاب النار)

عنوان الخطبة: عذاب النار

عناصر الخطبة:
١- شدة عذاب النار.
٢- أسباب دخول النار.
٣- أسباب النجاة من النار.


 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه، أما بعد:

فاتّقوا الله عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عبادَ الله:

لقد بعثَ اللهُ رسولَه محمدًا ﷺ بَشيرًا ونَذيرًا، يُبشّرُ المؤمنين والمتّقين بجنّةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ، ويُنذِرُ الكافرينَ والمنافقينَ والفاسقينَ بالعذابِ الأَلِيمِ في نار السّعير.

وقد حذّرَنا اللهُ في كتابِه مِن عذابِ النارِ تحذيرًا شديدًا، وخَوَّفَنَا منه تخويفًا عظيمًا، قال تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ ‌مِنْ ‌نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ‌كُلَّمَا ‌نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا.

ووَصَفَ سبحانه طعامَ أهلِ النّارِ وشرابَهُم بما تَفزَعُ منه الأسماَع، وتقشعرُّ منه الجُـلُود، وتَنخَلِعُ منه القلوب، قال تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ ‌سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا، وقال تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ ‌أَمْعَاءَهُمْ، وقال تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ ‌الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ، وأهلُ النارِ يطلبُون السُّقيَا مِن أهلِ الجنّةِ فلا يُجابُون، وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ ‌أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ.

وحين يُجَاء بجهنّمَ يومَ القيامةِ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ ‌وَأَنَّى ‌لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي، وحين يُوقَفُ الناسُ على النارِ تَعظُمُ حَسرَتُهُم، وَلَوْ تَرَى إِذْ ‌وُقِفُوا ‌عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ويَتمنَّونَ أن يَعُودُوا إلى الدُّنيا ليُؤمنوا ويَزدادُوا عملا، وهيهات: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ‌يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

ولِشِدّة عذابِ النارِ يطلُب أهلُها الموت، قال تعالى:إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ ‌مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.

بل يطلُبُون تخفيفَ العذابِ ليومٍ واحدٍ فقط، حتى يرتاحُوا قليلًا ممّا هم فيه، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ ‌لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ.

أخي المبارك: اعْلَمْ أنّ التحذيرَ مِن النّارِ ليسَ خاصًّا بالكافرين، بل خاطبَ اللهُ به المؤمنين كذلك، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌قُوا ‌أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. وقال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي ‌أُعِدَّتْ ‌لِلْكَافِرِينَ.

إنّ مجرّدَ الاستِماعِ إلى هذه الآياتِ بِقَلْبٍ حاضرٍ يَرْدَعُ العاقلَ عن غَيِّه، ويُوقظُه مِن غَفلتِه، ويُذكّرُه بما خُلقَ له، ويُزهّدُه في الدنيا، ويُرغّبُه في الأُخرى، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
 

أخي الموفّق: إنّ لدخولِ النارِ أسبابًا كثيرةً، فَاعْرِفْها لِتَحذَرَها:

فأعظمُ أسبابِ دخولِ النارِ: الكفرُ باللهِ تعالى، ومن ذلك الشِّركُ به وعبادةُ غيره، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ ‌يُشْرِكْ ‌بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ.

ومنهُ الإباء والاستِكبارُ عن عبادةِ اللهِ، قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ‌اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.

ومِن أسبابِ دخولِ النارِ: اتّباعُ الرُّؤَسَاءِ والكُبَرَاء على الباطل بغيرِ هُدًى ولا بَصيرةٍ، قال تعالى: وَإِذْ ‌يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ.

ومِن أسبابِ دخولِ النارِ: كِتمَانُ الحقِّ والهدى، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ‌يَكْتُمُونَ ‌مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

ومِن أسبابِ دخولِ النارِ: أكلُ الرِّبَا، قال تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

ومِن أسبابِ دخولِ النارِ: الرّكُونُ إلى الظالمين بِـمُداهَنَتِهم ومُوالاتِهِم ومُعاونتِهم على ظُلمِهم، قال تعالى: وَلَا ‌تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.

ومِن أسبابِ دخولِ النارِ: التَّرَفُ في الدّنيا والرّضا بها عَنِ الآخرة، قال تعالى:وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ ‌طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا، وقال تعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ ‌يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ، وقال جلّ شأنه: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.

ومِن أسبابِ دخولِ النارِ: تركُ الواجباتِ، والخوضُ بالباطلِ، فلمّا سألَ أهلُ الجنة أهلَ النار: مَا ‌سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ.

أخي المبارَك: إن العاقل يتّقي النارَ بِتركِ المعاصي كلِّها، لأنه لا يعرِفُ المعصيةَ التي قد تكونُ سببًا لدخولِه النّار، ومن الذي يطيق تحمُّلَ نَفْحَةٍ من النّارِ أو غمسةٍ فيها؟ قال تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ ‌نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، وجاء في صحيحِ مسلمٍ أنّ النبيَّ ﷺ قال: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ». نَفحةٌ واحدةٌ تجعلُهُم يُوَلْوِلُون، وصَبْغَةٌ واحدةٌ تُنسِي أَنْعَمَ شخصٍ في الدّنيا نعيمَ الدّنيا كلِّه، فما حال من يبقى خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا؟ أجارنا الله من عذاب النار.

أقول ما تسمعون، وأستغفرُ اللهَ لي ولكُم ولِسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ؛ فاستغفِرُوه، إنّه كان للأوّابينَ غَفُورًا.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِ المرسَلين، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعد:

عبادَ الله: إنّ مِن كمالِ عَدلِ اللهِ وحِكمتِه أنْ جَعَلَ لِلمُجرمينَ نارًا تُحرقُهم، وعذابًا يُردِيهِم، حتى لا يَستويَ المؤمنُ والكافرُ، والمحسنُ والظالم:أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ ‌كَالْفُجَّارِ، فربّنا جلّ وعلا حكيم، وحكمتُه تدورُ بين مغفرته وعقُوبته، فهو سبحانه وتعالى مع سعة رحمتهِ ومغفرته، قويٌّ عزيزٌ، لا يرضى الكفر، ولا يُقرّ الظُّلم، ولا يحبّ الفساد.

أخي المبارك: اعْلَمْ أنّ مِن أوجبِ الواجباتِ عليك أنْ تَسعَى لِنَجَاةِ نفسِك مِن النار، ولذلك أسبابٌ كثيرةٌ:

مِن أعظمِها: تحقيقُ الإيمانِ التامِّ باللهِ وبرسولِه وبكتابِه وبدينِه وبشرعِه، قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، وجاء في صحيحِ مسلمٍ أنّ النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ ‌مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ».

ومِن أسبابِ النجاةِ مِن النارِ: الخوفُ والإشفاقُ مِن عذابِ النّار، المؤَدِّي إلى العملِ بما يَقِي منها، قال تعالى في صفاتِ أهلِ الجنّةِ: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ ‌مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وأخبرَ تعالى عن حالهِم في الجنّةِ فقال: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا ‌مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.

ومِن أسبابِ النّجاةِ مِن النارِ: سؤالُ اللهِ الوقايةَ مِن عذابِ النارِ، قال تعالى في وصفِ المتّقين: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ‌وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وفي دعاءِ الموفّقين:رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ‌وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قالَ اللهُ عنهم: أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا، وقد كانَ النبيُّ ﷺ يأمُرُ بالاستعاذةِ مِن النارِ في نهايةِ كلِّ صلاةٍ بعدَ التّشهُّد، والسنّةُ مَليئةٌ بأدعيةِ الاستعاذة من النار، فداوِم عليها.

أخي المبارك: اعلم أنّ جميعَ الأعمالِ الصّالحةِ مع صحّة الإيمان سببٌ للنّجاةِ مِن النار، فاتّقِ النارَ بالتّسليمِ لِأَوامِرِ اللهِ وأحكامِه، واتّقِ النارَ بِتحقيقِ العُبوديّةِ لربِّك، واتّقِ النّارَ بِمُجاهدةِ أعداءِ الدّين، واتّقِ النارَ بِنصيحةٍ صادقةٍ، واتّقِ النارَ بِركعةٍ في جوفِ الليلِ، واتّقِ النّارَ بإحسانٍ إلى فقيرٍ، بل اتّقِ النّارَ ولَو بِشِقِّ تمرةٍ، ولَو بِكَلِمَةٍ طَيِّبة.

فهنيئًا لمن أناب وخافَ العِقاب، وجدّ واجتهدَ لساعةِ الحساب، فأعقبه الله الفوزَ بالجنّةِ والنجاةَ من العذاب، فهو اليوم مجتهدٌ مأجُور، وغدًا في غُرفاتِ الجنةِ آمِنٌ مسرُور، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.

ثم صلّوا وسلّموا على مَن أُمِرتم بالصلاةِ عليه: اللهم صلّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنّا نعوذ بك من النارِ وما يُقرّبُنا إليها مِن قولٍ وعمل. اللهم قِنا عذابَك يوم تبعثُ عبادَك، اللهمّ أجِرْنا مِن النار، اللهم أعتِقْ رقابَنا من النار، وأدخِلنا اللهمّ الجنّةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذاب. اللهمّ وفّق وليَّ أمرِنا لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، ربّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النّار.

عبادَ الله: اذكُروا اللهَ ذِكرًا كثيرًا، وسبّحُوه بكرةً وأصيلًا، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

شارك المحتوى: