خطبة (أحداث يوم القيامة)

خطبة (أحداث يوم القيامة)

عنوان الخطبة: أحداث يوم القيامة

عناصر الخطبة:
١- لكل شيء علة وغاية، وخاتمة ونهاية.
٢- أهوال يوم القيامة.
٣- الحث على العمل للآخرة.


 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقِبُوه في السرِّ والنّجوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

إخوةَ الإسلام:

إنّ مَن تأمّل فيما حولَه مِن مخلوقاتِ الله، يجدُ أنّ لكلٍّ منها عِلَّةً وغاية، وأنّ له خاتمةً ونهاية، وإذا كانَ الأمرُ كذلك، فأنتَ أيُّها الإنسانُ أيضًا لَـمْ تُوجدْ سُدًى، ولم تُخلَقْ عَبَثًا، بل لك غايةٌ عظيمةٌ، بيّنَها لك خالقُك سبحانه في قولِه: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

وقد جعلَ اللهُ تعالى لكَ يومًا تنتهي فيه حياتُك، ثمّ بعدَه يومًا تَصيرُ فيه إلى ربِّك، فيُعيدُ خلقَك، ويُقيمُك مِن قبرِك، فيُطلعُك على صَحَائفِك، ويُحَاسبُك على أعمالِك، فإمّا ناجٍ مكرَّمٌ في جنّاتِ النّعيم، وإمّا هالكٌ مُخلّدٌ في العذابِ الـمُقِيم.

واتّقُوا يَومًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُون، يَومَ يَفِرُّ الْـمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَومَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه.

يَومَ تَكُونُ السماءُ كَالـمُهل، وتكونُ الجِبالُ كَالعِهن، فتَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا، وتَسيرُ الجبالُ سَيرًا، قد كُوِّرَتِ الشمسُ، وانْكَدَرَتِ النّجومُ، وبُعْثِرَتِ القُبُورُ، وحُشِرتِ الوُحوشُ، وعُطِّلَتِ العِشارُ، وأُشْعِلَتِ البِحَار.

يَومَ يُحشرُ الناسُ، واجفةً قلوبُهم، ذاهلةً عقولُهم، شاخصةً أبصارُهم، عاريةً أجسامُهم، حافيةً أقدامُهم، يَومَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون * إِلَّا مَن أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

هُنَالِكَ تُحَدِّثُ الأرضُ أخبارَها، فتَشهَدُ على كلِّ أحدٍ بما عمِل على ظهرِها، تقولُ: عَمِلَ كذا وكذا، يومَ كذا وكذا. فمَا ظنّكُم بِالفَاجِرِ العَاصِي في ذلكَ اليوم؟

يومَئذٍ تَذهَلُ المرضِعةُ عن رضيعِها، وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها، وترى الوليدَ الصغيرَ قد شابَ مِن هَوْلِ مَا يرى، وَتَرَى النّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ!

يومُ القيامةِ لَوْ عَلِمْتَ بِهَولِهِ

              لَفَرَرْتَ مِن أهلٍ ومِن أَوْطَانِ

يومٌ عَبُوسٌ قَمْطَريرٌ شَرُّهُ

             وتَشِيبُ منه مَفَارِقُ الوِلدَانِ
 

في ذلك اليومِ، تَدنُو الشَّمسُ مِن رُؤوسِ الخلائقِ قَدْرَ مِيلٍ، فيَعرَقُون على قَدْرِ أعمالِهم، (فَمِنهُم مَن يكونُ العرَقُ إلى كعبَيْهِ، ومِنهُم مَن يكونُ إلى رُكبَتَيْهِ، ومِنهُم مَن يكونُ إلى حِقْوَيْه، ومِنهُم مَن يُلجِمُهُ العَرَقُ إلجَامًا) كما أخبر الصادق المصدوق ﷺ.

يومئذٍ تتطايرُ صحائِفُ الأعمالِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي: ظنّ أنّه لا يُبعَث بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا. هنالكَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ المؤمنين، وتَسْوَدُّ وُجُوهُ الكافرين.

وتَتنَزّلُ الملائكةُ والرّوحُ، فيقومون صَفًّا، ويَجيءُ الربُّ لفصلِ القضاءِ، فتَخشعُ الأصواتُ للرحمنِ، فلا تَسمعُ إلا هَمْسًا، وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلحَيِّ القَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا، فيتَقَطّعُ الظالمونَ نَدَمًا على ما فعلوا في الدنيا، ويُجاءُ بجهنّمَ لها سبعونَ ألفَ زِمَامٍ، مع كلِّ زِمَامٍ سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي.

يومَئذٍ تُنصبُ الموازينُ لِوَزنِ الأعمال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، يومَ يُؤتَى بالرجلِ له صلاةٌ وصيامٌ وزكاةٌ، وقَدْ ضَرَبَ هذا، وأَخَذَ مالَ هذا، وشَتَمَ هذا، فيَأْخُذُ هذا مِن حسناتِه، وهذا مِن حسناتِه، وهذا من حسناتِهِ، حتّى تَفْنَى حسناتُه، فإِنْ بَقِيَ لهم حَقٌّ أُخِذَ مِن سيئاتِهم فطُرِحَت عليه، ثمّ طُرِحَ في النّار. ولَتُؤَدَّيَنَّ الحقوقُ إلى أهلِها، حتى يُقْتَصَّ للشّاةِ الجَلْحَاءِ مِن الشاةِ القَرْنَاء. فالسَّعيدُ مَن سَلِمَ في ذلكَ اليومِ العظيم.

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ والسنّة، ونفعَنا بما فيهما مِن الآياتِ والحكمة، أقول قَولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكُم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفِرُوه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه، وبعد:

إخوةَ الإسلام:

 كلُّنا -وللهِ الحمدُ- يؤمنُ بِيومِ الحسابِ، ومَا عندَنا فيه مِن شَكٍّ ولا ارتِيابٍ، غيرَ أنَّنا في غفلةٍ ساهُون، وعنِ الاستعدادِ له مُعرِضُون، وفي دُنيانا السُّفلَى ولذائذِنا مُنغَمِسُونَ لاهُون، إنّنا لَنَعملُ للدنيا كأنّنا نُعمَّرُ فيها، ونُفرِّطُ بأعمالٍ وأوقاتٍ لا يُمكِنُنا استِدراكُها وتلافيها، فاتّقُوا اللهَ أيُّها المسلمون، وابتَدِرُوا الأعمالَ الصالحةَ ففِي ذلكَ فَلْيَتَنَافَسِ الـمُتَنَافِسُون، فمَا بَعدَ الشبابِ -إنْ قُدِّر للإنسانِ البقاءُ- إلا الهَـرَم، وحينذاك يَقرُبُ الموتُ ويستولي الهمُّ والحَزَن والنَّدَم.

إنّ الدُّنيا ما هِي إلا مَزرعةٌ للآخرةِ، يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.

يقول عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه: «إنَّ أَخوَفَ ما أخافُ عليكُم اتِّباعُ الهَوَى وطولُ الأمَلِ، فأمَّا اتِّباعُ الهَوى فيَصُدُّ عنِ الحَقِّ، وأمَّا طولُ الأمَلِ فيُنسِي الآخِرةَ، ألَا وإنَّ الدُّنيا قد تَرحَّلَتْ مُدبِرةً، ألَا وإنَّ الآخِرةَ قد تَرحَّلَتْ مُقبِلةً، ولكلِّ واحدةٍ منهما بَنُونَ، فكُونوا مِن أبناءِ الآخِرةِ ولا تكُونُوا مِن أبناءِ الدُّنيا؛ فإنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حِسابَ، وغدًا حِسابٌ ولا عَمَلَ».

ثم صلّوا وسلّموا على مَن أُمِرتم بالصلاة عليه: اللهمّ صلّ وسلّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.

اللهم إنا نسألُك من الخيرِ كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما علِمْنَا منه وما لمْ نعلَمْ، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما علمْنا منه وما لمْ نعلَمْ، ونسألُك الجنّةَ وما يُقرِّبُنا إليها مِن قولٍ وعمل، ونعوذُ بك مِن النّارِ وما يُقرِّبُنا إليها مِن قولٍ وعمل، ونسألُك من خيرِ ما سألَك منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ ﷺ، ونعوذُ بك مِن شرِّ ما عاذَ منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ ﷺ. اللهم وفّق وليّ أمرنا لِمَا تُحِبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبِرِّ والتقوى. ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النار.

عبادَ الله: اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبّحُوه بُكرةً وأصيلًا، وآخِرُ دَعْوَانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

شارك المحتوى: