عنوان الخطبة: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.
عناصر الخطبة:
١- نعمة الولد الصالح.
٢- مسئولية الوالدين تجاه الأولاد.
٣- السبيل إلى صلاح الأولاد.
الحمدُ للهِ العزيزِ الوهّابِ، وهبَ من شاءَ من عبادِهِ الذُّرِّيّةَ نعمةً وتفضُّلًا، وجعلَ صلاحَهُم قُرّةَ عينٍ وأقرَبَ رُحْمًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السرِّ والنجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عباد الله:
يقولُ النبيُّ ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ». سنن ابن ماجه (٣٦٦٠)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢٩٥٣). (١)
ما أحسنَ هذه النعمةَ وأطيبَها! وما أقرَّ عينَ المؤمنِ بصلاحِ أولاده!
إنّ الأولادَ هبةٌ من اللهِ وفضل.
قالَ تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل: ٧٢].
إلا أنَّ الولَدَ الصّالحَ نعمةٌ فوقَ النعمةِ، وفضلٌ فوقَ الفضلِ، وقرةُ عينٍ يسعدُ بها العبدُ في الدنيا والآخرةِ، ولذا كان دعاءُ الأنبياءِ والصالحينَ بأن يرزقَهُمُ اللهُ الذريةَ الطيبةَ الصالحةَ.
ها هو إبراهيمُ الخليلُ يسألُ ربَّهُ قائلا: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١٠٠].
وها هو زكريا عليه السلامُ يدعو اللهَ على كِبَره وشَيبتِه: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران: ٣٨].
ودعاءُ عبادِ الرحمن: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[الفرقان: ٧٤].
والولدُ الصالحُ هو الذي سيتذكَّرُ والدَيه بعدَ مماتهما بالدعاءِ والاستغفارِ، فيكونُ امتدادًا لعملِهِما، واستمرارًا في حسناتِهِما.
يقولُ النبيُّ ﷺ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». صحيح مسلم (١٦٣١). (٢).
لكن يا عبادَ اللهِ: ما السبيلُ إلى صلاحِ الأولادِ؟
يجبُ أن نعلمَ أولًا أنَّ على الأبوينِ مسؤوليةً عظيمةً تِجاهَ أولادِهم، وأعظمُ هذه المسؤوليةِ القيامُ على صلاحِهم، ووقايتِهم عذابَ اللهِ.
قالَ اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: ٦].
أي مُروهم بطاعةِ اللهِ، وانْهَوْهم عن معصيتِهِ، وعلِّموهم وأدِّبوهم.
وهذه المسؤوليةُ مشترَكةٌ بين الوالدينِ، ولا يجوزُ إلقاءُ التَّبِعَةِ فيها على أحدِهِما دونَ الآخرِ.
قالَ النبيُّ ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». صحيح البخاري (٢٥٥٤)، وصحيح مسلم (١٨٢٩) (٣)
وقالَ النبيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ». المستخرج (٧٠٣٦)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٦٣٦). (٤)
والأصلُ في الرَّاعي القيامُ على ما يتولّى عليه، فهو حافظٌ مؤتمَنٌ، ملتزِمٌ إصلاحَ ما قامَ عليه والاجتهادَ في النصيحةِ له.
ومتى علِمَ الوليُّ وجوبَ ذلك، ومسؤوليتَهُ عنه، فعليه أن يسلُكَ خطُواتٍ عمليةً أربعًا، لتحقيقِ هذا المقصِدِ العظِيم، رجاءَ أن يمُنَّ اللهُ تعالى عليه بصلاحِ أولادِهِ ووِقايتِهِم من السُّوءِ والفسادِ.
فأوّلُ هذه الخطوات: ما يكونُ قبلَ الزواجِ: مِن حُسنِ اختيارِ الزوجِ لزوجتِهِ، والزَّوجةِ لزَوجِها، فإنَّ صلاحَ الزَّوجينِ منذُ أولِ يومٍ هو اللَّبِنةُ الأولى للأسرةِ الطيبةِ، ولذا وصَّى النبيُّ ﷺ الرجالَ بذاتِ الدينِ، فقال: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ». صحيح البخاري (٥٠٩٠)، وصحيح مسلم (١٤٦٦). (٥)
ووصّى الأولياءَ باختيارِ الزوجِ صاحبِ الدين، فقال: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». جامع الترمذي (١٠٨٤)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (١٨٦٨). (٦)
وإنَّما كان صلاحُ الوالِدَينِ مُهمًّا في صلاحِ أولادِهما لأنّهما الأسوةُ الأولى التي عليها تنفتحُ أعينُ الأولادِ، فإذا رأَوا منهما صلاحًا ودِيانةً وتُقًى، سارُوا على دربِهِما، وهُما أوّلُ مَن يزرعُ الإيمانَ ويغرِسُ الفضيلةَ، أو يطمِسُ الفطرةَ ويُنبتُ الرّذيلةَ.
ألم يقلْ نبيُّنا ﷺ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»؟ صحيح البخاري (١٣٨٥)، وصحيح مسلم (٢٦٥٨) (٧)
الخطوةُ الثانيةُ: سؤالُ اللهِ وصدقُ التضرعِ إليهِ بصلاحِ الذريةِ، فإنَّ اللهَ هو الهادي سبحانَهُ، وقلوبُ العبادِ بينَ أُصبُعينِ من أصابعِهِ، ودعوةُ الوالدِ لولدِهِ مستجابةٌ.
يقولُ النبيُّ ﷺ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ». الدعاء للطبراني (١٣٢٦)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٣٠٣٢) (٨)
تأمَّلْ كيفَ يسألُ إبراهيمُ الخليلُ ربّه قائلًا: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: ٣٥].
ويتضرعُ لمولاهُ قائلًا: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم: ٤٠].
بلْ وكانَ من حِلمه ورحمتهِ بهم يُعوِّذهم باللهِ من شرِّ الشيطانِ الرجيم، فقد كان النَّبِيُّ ﷺ يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا -يعني إبراهيم- كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ». صحيح البخاري (٣٣٧١). (٩)
الخطوةُ الثالثةُ: أنْ يغرسَ الوالدانِ في ذريَّتِهما الإيمانَ باللهِ قبلَ كلِّ شيءٍ، فهو الأصلُ والأساسُ الذي إنْ ثبتَ في القلبِ نبتتْ شجرةُ الفضائلِ، وأثمرتْ كلَّ خيرٍ، وهكذا كانَ يفعلُ النبيُّ ﷺ.
يقولُ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضيَ اللهُ عنهُ، «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ غِلْمَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا». سنن ابن ماجه (٦١)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٥٢). (١٠)
يجبُ علينا أنْ نَدُلَّ أولادَنا على اللهِ، أنْ نخبرَهُم عنه، عن أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، عن كمالِهِ وجلالِهِ وجمالِهِ، عن آياتِهِ وبراهينِ ربوبيتِهِ، عن نِعَمِهِ وآلائِهِ، وحينئذٍ يستنيرُ القلبُ بمحبّةِ اللهِ وتعظيمِهِ وخشيتِهِ، فتَرى اللِّسانَ لاهِجًا بذكرِ اللهِ، والجوارحَ مُنبعثةً على أداءِ الفرائضِ، والكفِّ عن المحارمِ، طواعيةً وانقيادًا، محبةً للهِ، وخوفًا منه، ورجاءً له.
أيُّها الوالِدُ الكريمُ، كمْ مرةً حدّثتَ ولدَكَ عن اللهِ، وأنَّهُ الملكُ الحقُّ الذي يدبِّرُ الأمرَ، وأنَّهُ الذي يقدِّرُ المقاديرَ، ويملكُ الحياةَ والموتَ، والنفعَ والضَّرَّ، والعطاءَ والمنعَ؟
ها هوَ النبيُّ ﷺ يوصِي عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما، وهو لا يزالُ غلامًا بعدُ، وقد أردفَهُ خلفَهُ على الدّابَّةِ، قائلًا: «يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ». رواه الترمذي([١١]).
إنَّ مثلَ هذا الغرسِ المباركِ هو الذي يُنبِتُ جيلًا عزيزًا، لا يخشى إلا اللهَ تعالى.
لقد قصَّ اللهُ علينا مواعظَ لقمانَ لابنه، وكيف أنَّهُ علَّمَهُ أولَ ما علَّمَهُ حقَّ اللهِ وهو التوحيدُ، ونهاهُ عن الشركِ وأنَّهُ ظلمٌ عظيمٌ، ثم أخذَ يُخبرهُ عن عظيمِ علمِ اللهِ وعظيمِ قدرتِهِ، حتى يُعَظِّمَهُ ويخشاهُ ويرجو ثوابَهُ، ثم يأمرهُ بالعباداتِ وأعظمُها الصلاةُ، ويوصيهِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ والصبرِ على الأذى في سبيلِ اللهِ، والصبرِ على أقدارِ اللهِ، وينهاهُ عن مساوئِ الأخلاقِ، كالكِبرِ والاختيالِ والفخرِ على عبادِ اللهِ، ويأمرهُ بالاعتدالِ في حياتِهِ، حتى في صوتِهِ.
الخطوةُ الرابعةُ: البدءُ بعدَ الإيمانِ ومعَ الإيمانِ بالفرائضِ وإحسانِها، وأعظمُ الفرائضِ بعدَ الشهادتينِ الصلاةُ.
لقد أثنى اللهُ على نبيِّ اللهِ إسماعيلَ عليهِ السلامُ، فقالَ: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا[مريم: ٥٥].
ولذا قالَ النبيُّ ﷺ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». رواه أبو داود([١٢]).
إنّ الأمرَ يحتاجُ من الوالدَينِ إلى استعانةٍ بالله، معَ صبرٍ وحذرٍ منَ اليأس.
قالَ تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه: ١٣٢].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
عباد الله:
لقد جاءتِ الإجازةُ الصيفيةُ، وكما أنَّها فرصةٌ للترفيهِ عن الأولادِ بالمباحاتِ، إلا أنَّها ليستْ مسوِّغًا للغفلةِ عنهم وتركِهم في لُجَجِ الشهَواتِ والانغماسِ في المحرَّماتِ.
لقد صارَ العالمُ مفتوحًا، وأعداءُ الإسلامِ يمكرونَ بأولادِنا ليلَ نهارَ، ليُفسدوا عقائدَهم بالشُّبُهاتِ، ودينَهم وأخلاقَهم بالشَّهَواتِ، فإنْ لم تكنْ من الأولياءِ رقابةٌ على المحتوى الذي يطالعهُ أولادُهم، لم نجنِ من وراءِ ذلكَ إلا جيلًا ممسوخَ الهُوِيةِ، فاقدًا للفضيلةِ، يألَفُ الرّذيلةَ، ولا يعرفُ للعزةِ والشرفِ طريقًا.
ألحِق ولدَكَ بحَلَقاتِ القرآنِ، ومجالسِ الخيراتِ، وصُحبةِ الصالحينَ.
وأبشِر وارْتقِب تلكَ اللَّحظةَ التي تُكسَى أنتَ وزوجُكَ فيها أجملَ الحُلَلِ، الحُلَّةُ منها خيرٌ من الدنيا وما عليها، فتقولانِ بمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. وفي لفظ: «بتعليم ولدكما القرآن». المسند (٢٢٩٥٠)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٨٢٩). (١٣)
ربَّنا أصلحْ لنا ذرياتنا، إنّا تبنا إليكَ وإنا من المسلمين.
اللهم انصُرْ عبادَك المستضعَفين، ودمِّرِ اليهودَ الـمُجرمين.
اللّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمّتَنا وُولاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
عِبَادَ الله: اذكرُوا اللهَ ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوهُ بُكرةً وأصيلًا، وآخرُ دَعوانا أَنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.