خطبة (الثبات على الإسلام)

خطبة (الثبات على الإسلام)

عنوان الخطبة: الثبات على الإسلام

عناصر الخطبة:
١- أعظم النعم الهداية إلى الإسلام.
٢- الهداية الحقيقة في الثبات على الإسلام حتى الممات.
٣- أسباب الثبات على الإسلام.
٤- أسباب الانحراف عن الإسلام.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ‌الَّذِي ‌خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا .

عباد الله:

ليس في نِعَمِ اللهِ على عبادِه أعظمُ من نعمةِ هدايتِهم إلى أن يَعرِفوه بِعَظمتِه، ويُفردوه بِعبادتِه، فإنّ هذه النّعمةَ هي سرُّ وُجودِهم، وهي الغايةُ مِن خلقِهم، ومَن هداه اللهُ مِن العِبادِ فهُو المهتدي، ولا اهتداءَ لأحدٍ إلا بهُدَى الله، ومن يُضلِلِ الله فمَن ذا الذي يَهديه مِن بَعدِه؟

وهدايةُ اللهِ تعالى لِعَبدِه نعمةٌ وتفضُّل، فليس للعبادِ على الله حقٌّ واجبٌ عليه، كما قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾، وقال تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ .

فَمَنِ امتنَّ اللهُ وتفضّلَ عليه بالهدايةِ والتوفيق، فقد سَعِدَ السعادةَ الأبدية، ومن خذَلهُ الله وحَرَمهُ هذه النّعمة، فقد خَسِرَ الخَسارةَ السرمديّة.

وليست الهدايةُ هي أن تَدخُلَ في الإسلامِ فَحَسب، بل الهدايةُ الحقيقيةُ هي أن تَثبُتَ على الإسلامِ حتى تلقى الله، كما قال تعالى: وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وإلا فقدِ اهتدى إلى الإسلامِ أناسٌ ثمّ تركوه، وارتدُّوا على أعقابِهم ورفضُوه، فزاغوا بعد الهُدى، واستبدلوا بالبَصَرِ العمى. كانوا في نورٍ مِن الله، فَطَفِئَ نورُهم، ولم يبقَ لهم مِن شُعلةِ النّورِ إلا لهيبُ النّار، وغَضَبُ الجبار، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ .

وإذا كانَ الأمرُ كذلك، كانَ حريًّا بالعبدِ أن يجعلَ أقصى همِّه ومُنتهى غايتِه، الثباتَ على الإسلامِ إلى الموت، ويَعملَ بأسبابِ ذلك، ويَتبعَ مظانّه، ويجتنبَ مَوانِعَه.

إخوةَ الإسلام:

إنّ أعظمَ أسبابِ الثباتِ على دِينِ الإسلامِ الاعتصامُ باللهِ الهادي، والاعتمادُ عليه، واللجوءُ إلى جَنَابِه، فلا عَجَبَ أن شرع لنا الرّحمنُ سبحانه أن نسألَه الهدايةَ إلى الصراطِ المستقيمِ في كلِّ ركعةٍ، فنقول: إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم.

ومن أعظمِ أسبابِ الثباتِ: قراءةُ القرآنِ بِتدبُّرٍ وفَهم، قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وقال جلّ شأنه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ .

ومن الأسباب: الحفاظُ على صلاة الجماعة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «مَن سَرَّه أن يَلقَى اللهَ غَدًا مُسلِمًا، فلْيُحافظْ على هؤلاءِ الصّلواتِ حيثُ ينادى بِهنّ، فإنّ اللهَ شرعَ لِنبيِّكُم ﷺ سُننَ الهدى، وإنهنّ مِن سُننِ الهدى، ولو أنّكم صلّيتُم في بيوتِكم كما يصلِّي هذا المتخلّفُ في بيتِه، لتركتُم سُنةَ نبيِّكُم، ولو تركتُم سُنّةَ نبيِّكُم لَضَلَلْتُم».

ومِن أسبابِ الثباتِ: طلبُ العلمِ الشرعيّ، والتفقّهُ في الدّينِ، وقراءةُ سيرةِ النبيِّ ﷺ، وأخبارِ الصالحين، وسؤالُ العلماءِ، والقُربُ منهم، فإنّ العلمَ نورٌ لأهلِه، والجهل مِن أعظمِ أسبابِ الضلالِ والانحراف.

ومِن أسبابِ الثباتِ: العملُ بِالعِلم، والإقبالُ على الطاعات، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . فالله يُثبِّت الذين آمنوا بسببِ عَمَلِهم بأوامرِه، فيثبّتُهم في الدنيا عند الفِتَنِ وعند المصائِب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

عباد الله:

كما أنّ لِلثباتِ على الإسلامِ أسبابًا يجب اتّخاذُها، فإنّ للانحرافِ والرّدةِ أسبابًا يجب الحذرُ منها واجتنابُها، فمَن تساهلَ فيها وتعرّضَ لها فزاغَ قلبُه وتَزلزلَ إيمانُه، فهو الملومُ المسؤول، وهو الضالُّ المخذول.

فَمِن أسبابِ الانحرافِ والرّدَّةِ عن الدِّين: الانغماسُ في الشهواتِ المحرّمات، والإسرافُ على النفسِ في الغفَلاتِ واللّذّات، فإنّ القلبَ الممتلئَ بالهوى ومحبّةِ الحرامِ قلبٌ مَنكُوس.

ومِن أسبابِ تركِ الإسلامِ أيضًا: الِانبِهارُ بالكفّارِ، والإعجابُ بهم، والإصغاءُ إليهم، وتقليدُهم واتّباعُهم، وقد حذّرنا اللهُ تعالى من طاعةِ الذين كفروا والرّكونِ والاطمئنانِ إليهم، وهو الرحيمُ بنا، العليمُ بما يُصلِحُنا، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ، وقال جلّ شأنه: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ.

ومِن أسبابِ تركِ الإسلام: التعرّضُ للشُّبُهاتِ وكلامِ أهلِ الضلال، فَمَن أرخى بِسَمعِه إلى كلامِهم، وأطلق بَصرَه في كتاباتِهم، فقد تَخفى عليه تَلبيساتُهم، ويغترُّ بها، ولا يعرفُ جوابَها، فإنّ القلوبَ ضعيفةٌ، والشُّبَهَ خطّافة، وقد قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وقد حذّرنا نبيُّنا ﷺ من الدّجال، وأمرَ بالبُعد عنه، روى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن عِمرانَ بن حصينٍ رضي الله عنه، أنّ رسول الله ﷺ  قال: «مَن سَمِعَ بِالدّجّالِ فَلْيَنْأَ عنه، فوالله إنّ الرجلَ ليأتيهِ وهو يحسبُ أنه مؤمن، فيتبعُه مما يبعثُ به من الشبهات».

وما أكثرَ دجاجلةَ عَصرِنا، الذين مَلؤوا الإعلامَ ووسائلَ التواصل، فاحذر عبدَ الله، ومهما خاطرتَ بشيءٍ فلا تُخاطِرْ بإيمانِك، وخُذْ دينَك عن العلماءِ الأتقياء، لعلك تَسلمُ وتَنجُو، فإنّ العُمُرَ قصير، والموتَ قريب، والساعةَ حقّ، واللهَ هو الرّقيب الحسيب.

ثم صلّوا وسلِّموا على نبيّنا محمد، اللهم صلّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم وفّق وليّ أمرنا لِمَا تُحِبُّ وتَرضى، وخُذ بناصيته للبِرِّ والتقوى. ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عبادَ الله: اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبّحوه بكرةً وأصيلًا، وآخِرُ دَعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.

 

شارك المحتوى: