خطبة (التحذير من كبيرة الزنا)

خطبة (التحذير من كبيرة الزنا)

عنوان الخطبة: التحذير من كبيرة الزنا.

عناصر الخطبة:

١-طِيب النكاح وخُبث الزنا.

٢- خطورة الزنا.

٣- عقوبة الزاني.

٤- خطوات فاحشة الزنا.

 

 

 

الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَلَّ لَنَا الطَّيّبَات، وَحَرَّمَ عَلَينَا الخَبَائِثَ وَالفَوَاحِشَ وَالمُنكَرَات، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، أَمَرَنَا بِحِفظِ الفُرُوجِ عَن الخَطِيئَات، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ أَهلِ العَفَافِ وَالطُّهرِ وَالكَمَالَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَهلِ المَكرُمَات، أَمَّا بَعدُ:
 

إِخوَةَ الإِسلَامِ:

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ يُحِبّ الطَّيّبَاتِ وَيُبغِضُ الخَبَائِث، وَلِأَجلِ ذَلِكَ أَحَلَّ لِعِبَادِهِ الطّيِّبَات، وَامتَنَّ عَلَيهِم بِهَا، وَأَمَرَهُم بِشُكرِهَا، فَقَالَ سُبحَانَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم وَاشكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ، وَأَنكَرَ عَلَى مَن يُقَبِّحُهَا وَيُحَرِّمُهَا، فَقَالَ: قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزقِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ الخَبَائِثَ وَالفَوَاحِشَ، وَحَذَّرَهُم سَبِيلَهَا، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالفَحشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ.
 

وَمِنَ الطَّيّبَاتِ الَّتِي امتَنَّ اللَّهُ بِهَا أَنّهُ جَعَلَ لِعِبَادِهِ مِن أَنفُسِهِم أَزوَاجا، فَقَالَ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤمِنُونَ وَبِنِعمَتِ اللَّهِ هُم يَكفُرُونَ.
 

وَمِنَ الخَبَائِثِ الَّتِي حَذَّرَ مِنهَا ابتِغَاءُ مَا سِوَى الحَلَالِ مِن النّسَاء، وَذَلِكَ بِفَاحِشَةِ الزِّنَا عِيَاذًا بِاللَّهِ مِن غَضَبِه، فَقَد حَذَّرَ اللَّهُ مِنهَا، وَحَرَّمَهَا، بَل نَهَى عَن الِاقتِرَابِ مِنهَا، لِشِدَّةِ قُبحِهَا، وَعَظِيمِ فُحشِهَا، فَقَالَ: وَلَا تَقرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا.
 

وَلَيسَ فِي الأَعمَالِ بَعدَ الشِّركِ وَالقَتلِ أَقبَحُ مِن استِحلَالِ الفَرجِ المُحَرّم، وَلِذَلِكَ تَوَعّدَ اللَّهُ عَلَيهِ بِالعَذَابِ الأَلِيم، فَقَالَ: وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.
 

مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ:

إِنّ الزِّنَا جَرِيمَةٌ عَظِيمَة، مُخَرِّبَةٌ لِلبُيُوت، مُدَنِّسَةٌ لِلفِرَاش، مُفسِدَةٌ لِلأَنسَاب، مُنتَهِكَةٌ لِلفَضِيلَة، قَاتِلَةٌ لِلحَيَاءِ وَالغَيرَة، مَاحِقَةٌ لِلبَرَكَة، جَالِبَةٌ لِلبَلَايَا وَالطَّوَاعِينِ وَالأَوبِئَةِ المُستَحدَثَة، مُوجِبَةٌ لِغَضَبِ الجَبّارِ وَعِقَابِه، وَإِنّ لَذَّتَهَا اللّحظِيّةَ المُحَرّمَةَ لَا تُوَازِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِصَاحِبِهَا مِن النَّكَالِ فِي الدّنيَا، وَالعَذَابِ فِي الآخِرَة.

وَقَد جَعَلَ اللَّهُ عُقُوبَةَ الزّانِي وَالزّانِيَةِ إِذَا كَانَا مُحصَنَينِ الرَّجْم حَتّى الـمَوت، وَالإِحصَانُ هُوَ الجِمَاعُ فِي نِكَاحٍ صَحِيح، فَمَن وَطِئَ زَوجَتَهُ وَلَو مَرَّةً صَارَ مُحصَنًا أَبَدًا وَلَو فَارَقَهَا. فَإِذَا زَنَى أَو زَنَتْ كَانَ حَدَّهُمَا فِي شَرِيعَةِ الإِسلَامِ الرَّجْم، وَقَد رَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَرَجَمَ أَصحَابُهُ مِن بَعدِه.

وَأَمَّا غَيرُ المُحصَنِ فَعُقُوبَتُهُ مِئَةُ جَلدَة، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَلْيَشهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤمِنِينَ.
 

وَمِن عَذَابِ الزُّنَاةِ يَومَ القِيَامَةِ مَا أَخبَرَ بِهِ النّبِيُّ ﷺ أَنّهُ رَأَى أَنّ مَلَكَينِ أَتَيَاهُ فَأَرَيَاهُ بَعضَ عَذَابِ أَهلِ النّار، وَمِن ذَلِكَ قَولُهُ: «فَأَتَينَا عَلَى مِثلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصوَات، قَالَ: فَاطّلَعنَا فِيه، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاة، وَإِذَا هُم يَأتِيهِم لَهَبٌ مِن أَسفَلَ مِنهُم، فَإِذَا أَتَاهُم ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا (أَي: صَاحُوا)، قَالَ: قُلتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاء؟» «قَالَا: إِنّهُم الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
 

وَمَن زَنَا ارتَفَعَ عَنهُ الإِيمَانُ حَتَّى يَتُوب، كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ».

عَافَانَا اللَّهُ وَالمُسلِمِينَ مِن شُرُورِ الفِتَن، مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَن، أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشرَفِ المُرسَلِين، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِين، أَمَّا بَعدُ:
 

مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ:

إِنّ لِلفَوَاحِشِ طُرُقًا وَخُطُوَات، مَن يَتَّبِعْهَا تَقُدْهُ إِلَيهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ.

وَخُطُوَاتُ الفَوَاحِشِ الَّتِي حَرّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَنَهَى عِبَادَهُ عَنهَا مِنهَا مَا يَرجِعُ إِلَى الرّجَال، وَمِنهَا مَا يَرجِعُ إِلَى النّسَاء، وَمِنهَا مَا يَرجِعُ إِلَيهِمَا جَمِيعًا.
 

فَحَرّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النِّسَاءِ: التَّبَرُّجَ وَالسُّفُور، وَأَمَرَهُنَّ بِالسِّترِ وَلُزُومِ البُيُوت، فَقَالَ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى.
 

وَأَمَرَهُنَّ اللَّهُ بِالحِجَابِ وَغَضّ البَصَر، فَقَالَ: وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضْنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ.
 

وَنَهَاهُنّ اللَّهُ عَن تَعَمُّدِ إِظهَارِ مَا خَفِيَ مِن زِينَتِهِنّ، فَقَالَ: وَلَا يَضرِبْنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ.
 

وَنَهَاهُنَّ عَن التَّزَيُّنِ وَالتَّعَطُّرِ خَارِجَ البَيتِ أَو لِلرِّجَالِ الأَجَانِب، بَل جَعَلَ ذَلِكَ شُعبَةً مِن الزّنَا، فَقَالَ ﷺ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَومٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ ‌زَانِيَة». رَوَاهُ أحمد والترمذي.

وَحَرّمَ اللَّهُ عَلَى المَرأَةِ تَنعِيمَ الصَّوتِ وَإِلَانَتَهُ فِي حَدِيثِهَا مَعَ الرِّجَال، بَل أَمَرَهَا أَن يَكُونَ قَولُهَا جَزْلًا، وَكَلَامُهَا فَصْلًا، وَلَا يَكُونُ عَلَى وَجهٍ يَكُونُ سَبَبًا لِطَمَعِ النّفُوسِ المَرِيضَة، فَقَالَ تَعَالَى: فَلَا تَخضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَولًا مَعرُوفًا.
 

وَكَذَلِكَ حَرّمَ عَلَى الرِّجَالِ: النّظَرَ إِلَى الحَرَام، وَمِن ذَلِكَ مُطَالَعَةُ النِّسَاءِ المُتَبَرّجَات، فِي الطُّرُقَاتِ أَو عَلَى الشّاشَات، فِي الجَلَوَاتِ وَالخَلَوَات، فَقَالَ تَعَالَى: قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ.

وَحَرّمَ عَلَيهِمُ الطَّمَعَ فِي الحَرَامِ وَابتِغَاءَهُ وَتَمَنّيَه، كَمَا صَحّ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنّهُ قَالَ: «العَينُ تَزنِي، وَالقَلبُ يَزنِي، فَزِنَا العَينِ النَّظَر، وَزِنَا القَلبِ التّمَنّي، وَالفَرجُ يُصَدّقُ مَا هُنَالِكَ أَو يُكَذّبُهُ». رَوَاهُ أَحمَد، وَأَصلُهُ فِي الصَّحِيحَين.
 

وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الرّجُلِ كَشفَ العَورَة، قَالَ ﷺ: «احفَظْ عَورَتَكَ إِلّا مِن زَوجَتِكَ أَو مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيّ، وَعَورَةُ الرّجُلِ مِن سُرّتِهِ إِلَى رُكبَتِه.
 

وَحَرّمَ اللَّهُ عَلَى الجِنسَينِ: خَلوَة الرّجُلِ بِالمرأَة، وَأَخبَرَ أَنّ الشَّيطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَحَرّمَ الِاختِلَاطَ المُفضِي إِلَى الأُلفَةِ وَكَسرِ الحَوَاجِز.
 

وَكُلّ ذَلِكَ مِن كَمَالِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَحُسنِهَا، فَمَنِ استَمسَكَ بِهَا عَفّ وَزَكَى، وَطَابَ فِي الدّنيَا، وَأَفلَحَ فِي الأُخرَى، فَاللَّهُمَّ ثَبّتْنَا عَلَى مَرَاضِيك، وَجَنّبْنَا مَسَاخِطَكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِين.
 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِين.
 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى، وَنَعُوذُ بِكَ اللَّهُمّ مِنَ الفِتَن، مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَن حَرَامِك، وَأَغْنِنَا بِفَضلِكَ عَمّن سِوَاك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَات، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَات، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَات، اللَّهُمّ وَفّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.
 

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.

شارك المحتوى: