عنوان الخطبة: القدوة الحسنة
عناصر الخطبة:
١-حاجة الأمة للقدوات.
٢- أهمية القدوة في التربية.
٣- لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة.
الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي اصطَفَى مِن المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِن النَّاسِ، وَأَرسَلَ المُرسَلِينَ إِلَيهِم فَكَانُوا لَهُمُ القُدوَةَ وَالنِّبـرَاسَ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَ بِالِائتِسَاءِ وَالِاقتِدَاءِ بِصَفوَةِ خَلقِهِ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيرُ قُدوَةٍ وَأَفضَلُ أُسوَةٍ، صَلّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَمَنِ اقتَفَى أَثَرَهُ، أَمّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنّجوَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
وُجُودُ القُدُوَاتِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ أَمرٌ لَابُدَّ مِنهُ، وَضَرُورَةٌ لَا يَنفَكُّونَ عَنهَا، فَالقُدوَةُ الحَسَنَةُ مِفتَاحُ فِعلِ الخَيرَاتِ، وَسَبِيلُ عُلُوِّ الهِمَمِ وَتَحقِيقِ النَّجَاحَاتِ، وَهُوَ سَبَبٌ عَظِيمٌ مِن أَسبَابِ الثَّبَاتِ، وَالتَّرَقّي فِي الكَمَالَاتِ.
فَأَبُونَا آدَمُ عَلَيهِ السَّلَامُ، لَمَّا أَكَلَ مِن الشَّجَرَةِ، تَابَ وَأَنَابَ وَاستَغفَرَ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيهِ، وَجَعَلَهُ قُدوَةً لِمَن يُذنِبُ مِن بَنِيهِ، أَن يَتُوبُوا وَيُنِيبُوا، فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيهِم. قَالَ تَعَالَى:فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، فَمَنْ تَابَ وَأَنَابَ بَعدَ الخَطِيئَةِ كَانَ حَالُهُ كَأَبِيهِ وَأَفلَحَ وَنَجَحَ، وَمَن يُشَابِهْ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، وَمَن أَصَرّ وَاستَكبَرَ فَقَدَوَتُهُ إِبلِيسُ.
وَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ إِبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلَامُ جَعَلَهُ رَبُّهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ وَقُدوَةً لَهُم، كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُ: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، فَهُوَ إِمَامُ الحُنَفَاءِ وَقُدوَتُهُم، وَلَنَا فِيهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي تَحقِيقِ التَّوحِيدِ وَالبَرَاءَةِ مِن الشِّركِ وَأَهلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَحدَهُ.
وَالأَنبِيَاءُ جَمِيعُهُم قُدوَةٌ لِمَن بَعدَهُم، فَقَد أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ بِالِاقتِدَاءِ بِهَديِهِم، فَقَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، وَأَمَرَهُ أَن يَصبِرَ مِثلَ أُولِي العَزمِ مِنهُم، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ.
وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ بِكَمَالِ خِصَالِهِ، وَصَالِحِ أَعمَالِهِ، خَيرُ قُدوَةٍ لِلمُؤمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَقَد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.
وَشَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ أَن يَكُونُوا قُدوَةً لِمَن بَعدَهُم فِي الخَيرِ، فَمِنَ الدَّعَوَاتِ العَظِيمَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَولُ عِبَادِ الرَّحمَن: وَاجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا، أَيْ إِمَامًا لِمَن يَقتَدِي بِنَا، وَلَن يَكُونَ العَبدُ إِمَامًا وَقُدوَةً فِي الخَيرِ حَتَّى يَقتَدِيَ بِمَن قَبلَهُ.
عِبَادَ اللَّهِ:
مِنْ أَعظَمِ مَقَاصِدِ وُجُودِ القُدُوَاتِ بَينَ النَّاسِ ذَلِكَ الأَثَرُ العَظِيمُ الَّذِي يَتـرُكُهُ المُقتَدَى بِهِ فِي الأَتبَاعِ وَالمَدعُوّينَ، فَإِنّ التَّأثِيرَ بِالأَفعَالِ أَبلَغُ مِن التَّأثِيرِ بِالأَقوَالِ، وَرُبَّ فِعلٍ أَغنَى عَن كَثِيرٍ مِن القَولِ.
وَلِذَلِكَ لَمّا كَانَ شُعَيبٌ عَلَيهِ السَّلَامُ قُدوَةً مُصلِحًا، كَرِهَ أَن يُخَالِفَ قَولُهُ فِعلَهُ، فَقَالَ مُخَاطِبًا قَومَهُ: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُم إِلَى مَا أَنهَاكُم عَنهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّاَّ الإِصلَاَحَ مَا استَطَعتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ.
وَمِن هُنَا كَانَ مِن أَنفَعِ أَسَالِيبِ التَّربِيَةِ: التَّربِيَةُ بِالقُدوَةِ، فَالمُرَبّي الَّذِي لَا يُنَاقِضُ قَولُهُ فِعلَهُ، وَلَا فِعلُهُ قَولَهُ، أَعظَمُ تَأثِيرًا مِن غَيرِهِ، وَالمُتَعَلِّمُ يَزدَادُ تَأَثُّرُهُ بِالمُعَلِّمِ حِينَ يَرَى صَلَاحَ عَمَلِهِ، وَحُسنَ دَلِّهِ وَهَديِهِ، وَدَمَاثَةَ خُلُقِهِ، وَالِابنُ إِنّمَا يَسلُكُ سَبِيلَ أَبِيهِ وَيَقتَدِي بِهِ، وَأَثَرُهُ فِيهِ بِالتَّأدِيبِ وَالتَّعلِيمِ بِالفِعلِ أَنفَعُ وَأَوقَعُ مِن تَأدِيبِهِ بِمُجَرَّدِ القَولِ.
مَشَى الطَّاوُوسُ يَومًا باختِيَالٍ
فَقَلَّدَ شَكلَ مِشيَتِهِ بَنُوهُ
فَقَالَ عَلاَمَ تَختَالُونَ قَالُوا
بَدَأْتَ بِهِ وَنَحنُ مُقَلِّدُوهُ
وَيَنشَأُ نَاشِئُ الفِتيَانِ فِينَا
عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
وَمَا دَانَ الفَتَى بِحِجًى وَلَكِن
يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبُوهُ
وَاليَومَ لَمَّا غَابَ عَن شَبَابِ الأُمَّةِ القُدُوَات، وَجَعَلُوا يَتَّبِعُونَ المَشَاهِيرَ وَأَصحَابَ التَّفَاهَاتِ، فَشَتْ آفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي المُجتَمَعَاتِ، وَضَاعَتْ قِيَمٌ وَمَبَادِئُ كَثِيرَةٌ بَينَ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، وَإِنّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ.
فَالوَاجِبُ عَلَى القُدُوَاتِ الحَسَنَةِ اليَومَ عَظِيمٌ مُضَاعَفٌ، فَعَلَيهِمْ أَن يَسْعَوا فِي كُلِّ سَبِيلٍ لِيَكُونُوا خَيرَ سَلَفٍ لِخَيرِ خَلَفٍ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ وَالسُّنّةِ، وَنَفَعنَا بِمَا فِيهِمَا مِن الآيَاتِ وَالحِكمَةِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ مِن كُلِّ ذَنبٍ فَاستَغفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، وَبَعدُ:
عِبَادَ اللَّهِ:
الكَلَامُ عَنِ القُدُوَاتِ وَأَهَمِّيَّتِهَا وَعَظِيمِ أَثَرِهَا يَجُرُّنَا لِلحَدِيثِ عَن خَيرِهَا وَأَفضَلِهَا وَأَجمَلِهَا وَأَكمَلِهَا، فَيَأتِي الجَوَابُ حَاضِرًا شَاهِدًا مُتَمَثِّلًا فِي قَولِ رَبِّنَا: لَقَد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.
فَقَد جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ قُدوَةً حَسَنَةً وَأُسوَةً مُتّبَعَةً، فَخَيرُ الهَديِ هَديُهُ، وَخَيرُ السَّمْتِ سَـمْتُهُ، كَمّلَ اللَّهُ خُلُقَهُ، وَجَمَعَ فِيهِ مِن صِفَاتِ الخَيرِ مَا أَقسَمَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
فَكَانَ ﷺ قُدوَةً لَنَا فِي كُلِّ شَيءٍ، فَسِيرَتُهُ العَطِرَةُ مَلِيئَةٌ بِالمَوَاقِفِ البَلِيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِ ﷺ فِي أَعمَالِهِ، وَأَقوَالِهِ، وَأَخلَاقِهِ، وَفِي جَمِيعِ تَفَاصِيلِ حَيَاتِهِ.
فَهُوَ القُدوَةُ فِي صِلَةِ العَبدِ بِرَبِّهِ، قَالَ ﷺ: «أَمَا وَاَللَّهِ، إِنِّي لَأَتقَاكُم لِلَّهِ، وَأَخشَاكُم لَهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَلَمَّا سُئِلَ عَن كَثرَةِ عِبَادَتِهِ وَقَد غَفَرَ اللَّهُ لَه مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِه وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَهُوَ القُدوَةُ فِي صِلَةِ العَبدِ بِنَفسِهِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ لِنَفسِكَ عَلَيكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفطِرْ، وَصَلِّ وَنَم». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَهُوَ القُدوَةُ فِي صِلَةِ العَبدِ مَعَ مَنْ حَولَهُ، فَفِي مُعَامَلَةِ الخَادِمِ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: «خَدَمتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَشرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيءٍ: لِمَ فَعَلتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلتَ كَذَا؟». رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَفِي مُعَامَلَةِ نِسَائِهِ كَانَ خَيرَ النَّاسِ لِأَهلِهِ، وَقَد قَالَ ﷺ: «خَيـرُكُم خَيـرُكُم لِأَهلِهِ، وَأَنَا خَيـرُكُم لِأَهلِي». رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه، وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، «كَانَ عِندَ بَعضِ نِسَائِهِ، فَأَرسَلَت إِحدَى أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَت الَّتِي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ، فَانفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِلَقَ الصّحفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُم، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أَتَى بِصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتِي هُوَ فِي بَيتِهَا، فَدَفَعَ الصّحفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَت صَحفَتُهَا، وَأَمسَكَ المَكسُورَةَ فِي بَيتِ الَّتِي كَسَرَت». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَهُوَ القُدوَةُ فِي الحِلمِ وَالتَّجَاوُزِ وَالعَفو عَن الجَاهِلِ، فعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قَالَ: «كُنتُ أَمشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَعَلَيهِ بُردٌ نَجرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدرَكَهُ أَعرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرتُ إِلَى صَفحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ ﷺ قَد أَثَّرَت بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذَبتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِن مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِندَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَهُوَ القُدوَةُ فِي التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ، جَاءَ أَعرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسجِدِ، فَنَهَرَهُ الصَّحَابَةُ، فَقَالَ ﷺ: «لَا تُزرِمُوهُ، دَعُوهُ» فَتَـرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لَا تَصلُحُ لِشَيءٍ مِن هَذَا البَولِ، وَلَا القَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ القُرآنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَلَمَّا عَطَسَ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ، وَشَمّتَهُ مُعَاوِيَةُ بنُ الحَكَمِ السُّلَمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ رَمَاهُ الصَّحَابَةُ بِأَبصَارِهِم، قَالَ: فَقُلتُ: وَاثُكلَ أُمِّيَاه! مَا شَأنُكُم تَنظُرُونَ إِلَيّ؟ فَجَعَلُوا يَضرِبُونَ بِأَيدِيهِم عَلَى أَفخَاذِهِم، فَلَمَّا رَأَيتُهُم يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيتُ مُعَلّمًا قَبلَهُ وَلَا بَعدَهُ أَحسَنَ تَعلِيمًا مِنهُ، فَوَاللَّهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسبِيحُ وَالتَّكبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرآنِ». رَوَاهُ مُسلِمٌ.
فَهَذَا قُدوَتُنَا عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلْنَقتَدِ بِهِ، وَلْنَتَمَسّكْ بِهَديِهِ، وَلْنَستَنّ بِسُنّتِهِ، لِنَكُونَ مِن الفَائِزِينَ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارزُقْنَا اتِّبَاعَ نَبِيِّكَ ﷺ، وَالتَّأَسِّيَ بِهِ، وَالِاقتِدَاءَ بِهَديِهِ، وَاجعَلْنَا مِن أَنصَارِ دِينِهِ، الدَّاعِينَ إِلَى سُنَّتِهِ، الـمُتَّمَسِّكِينَ بِشَرعِهِ، اللَّهُمَّ أَورِدْنَا حَوضَهُ، وَلَا تَـحرِمْنَا شَفَاعَتَهُ، وَأَدخِلْنَا فِي زُمرَتِهِ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلمُتّقِينَ إِمَامًا. اللَّهُمّ وَفّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.