عنوان الخطبة: جريمة الكفر بالله
عناصر الخطبة:
١- الإيمان أطيب الأعمال، والكفرُ أقبحها.
٢- لماذا كانَ الكفر بالله أقبح الأعمال؟
٣- الكفر بالله يستوجبُ أشدّ العذاب.
٤- الثمراتُ الإيمانية للعلمِ بقبح الكُفر بالله.
الحَمدُ لِلَّهِ العَزِيزِ الرّحمَنِ، رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَخَالِقِ الإِنسِ وَالجَانّ، أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، المُتَوَحِّدُ فِي الجَلَالِ وَالجَمَالِ، المُتَفَرِّدُ بِتَصرِيفِ الأَحوَالِ عَلَى التَّفصِيلِ وَالإِجمَالِ، وَأَشهَدُ أَنّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، جَاءَهُ الوَحيُ مِن رَبّهِ لِيَدُلّنَا عَلَى الإِيمَانِ، وَيُجَاهِدَ أَهلَ الكُفرَانِ، فَأَقَامَ اللَّهُ بِهِ الدّينَ الحَقَّ وَأَظهَرَهُ عَلَى سَائِرِ الأَديَانِ.
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعصُوهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
رَبُّنَا العَظِيمُ يُحِبُّ مِنَ الأَعمَالِ الطَّيّبَ الزَّكِيّ، وَيَكرَهُ مِنهَا الخَبِيثَ الدَّنِيّ، وَلَيسَ فِي الأَعمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَلَا أَزكَى مِن الإِيمَانِ بِهِ، لِأَنَّهُ الرَّبُّ الحَمِيدُ، المُستَحِقُّ لِكُلِّ قَولٍ كَرِيمٍ، وَمَحَبّةٍ وَتَعظِيمٍ، وطَاعَةٍ وتَسلِيمٍ، فَقَد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبرُورٌ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
فَخَيرُ أَعمَالِ العِبَادِ وَأَطيَبُهَا الإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَالإِقرَارُ بِفَضلِهِ وَحَمدِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.
وَفِي المُقابِلِ: لَيسَ فِي الأَعمَالِ أَبغَضُ إِلَى اللَّهِ سُبحَانَهُ وَلَا أَسوَأُ مِن الكُفرِ بِهِ، وَالِاستِكبَارِ عَن شَرعِهِ، فَشَرُّ الأَعمَالِ وَأَقبَحُهَا الكُفرُ بِاللَّهِ تَعَالَى.
إِنّ الكُفرَ بِاللَّهِ هُوَ الجَرِيمَةُ الشَّنعَاءُ، وَالفِعلَةُ النَّكرَاءُ، الَّتِي نَادَتْ بِقُبحِهَا الفِطَرُ السَّلِيمَةُ، وَشَهِدَتْ بِفَظَاعَتِهَا العُقُولُ المُستَقِيمَةُ، فَمَهمَا قِيلَ فِي قُبحِ الكَذِبِ وَالظُّلمِ، وَسُوءِ الخِدَاعِ وَالغِشّ، وَشَنَاعَةِ الفَوَاحِشِ وَالزِّنَا، وَفَظَاعَةِ السَّرِقَةِ وَالرِّبَا، بَل جُرمِ القَتلِ عُدوَانًا وَبَغيًا، فَإِنّ الكُفرَ أَشَدُّ إِجرَامًا وَشَنَاعَة، وَأَعظَمُ سُوءًا وَبَشَاعَة.
عِبادَ اللهِ:
لِمَاذَا كَانَ الكُفرُ قَبِيحًا إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ؟ وَمَا الَّذِي جَعَلَهُ أَعظَمَ الجَرَائِمِ وَأَشنَعَهَا، وَأَشَدّهَا نَكَارَةً وَأَبشَعَهَا؟
إِنّ الكُفرَ بِاللَّهِ جَحدٌ لِحَقّ الرَّبِّ الخَالِقِ المُنعِمِ، وَالمَالِكِ المُتَفَضّلِ المُتَكَرِّمِ، الَّذِي جَادَ عَلَى عِبَادِهِ بِآلَائِهِ، مِن غَيرِ أَن يَستَحِقَّ ذَلِكَ مِنهُم أَحَدٌ، ثُمَّ وَعَدَهُم عَلَى شُكرِهِمُ الوَعدَ العَظِيمَ الحَسَنَ، الَّذِي لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَا حَدَّ.
وَالكُفرُ بِاللَّهِ تَنقُّصٌ لِمَن يَستَحِقُّ كَمَالَ التَّعظِيمِ، وَإِعرَاضٌ عَمَّن يَستَحِقُّ كَمَالَ المَحَبّةِ، وَاستِكبَارٌ عَمّن يَستَحِقُّ كَمَالَ الطَّاعَةِ وَالتَّسلِيم.
فَكَيفَ لِلإِنسَانِ أَن يَكفُرَ بِالَّذِي أَوجَدَهُ مِن العَدَمِ، وَأَسبَغَ عَلَيهِ أَلوَانَ النِّعَمِ؟ وَكَيفَ لَهُ أَن يَتَوَلّى عَن الحَمِيدِ المَجِيدِ، الَّذِي لَهُ أَحسَنُ الأَسمَاءِ، وَالمُتَفَرّدِ بِالعِزّ وَالكِبرِيَاءِ، فَحَقُّهُ أَن يُذكُرَ فَلَا يُنسَى، وَيُطَاعَ فَلَا يُعصَى، وَيُعرَفَ فَلَا يُنكَرَ، وَيُشكَرَ فَلَا يُكفَرَ؟
قُل أَئِنَّكُمْ لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرضَ فِي يَومَينِ وَتَجعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ
كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ استَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ
الكُفرُ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا أَعظَمُ الظُّلمِ وَأَشنَعُهُ، فَلَيسَ فِي أَنوَاعِ الظُّلمِ مَا يُوَازِي إِجرَامَهُ أَو يُقَارِبُهُ.
قَالَ سُبحَانَهُ: وَالكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
وقَالَ تعالى: فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفلِحُ المُجرِمُونَ.
الكُفرُ بِاللَّهِ سُبحَانَهُ هُوَ غَايَةُ الفُسُوقِ وَالفَسَادِ، وَنِهَايَةُ اللَّدَدِ وَالعِنَادِ.
قَالَ تَعَالَى: ولَقَد أَنزَلنَا إِلَيكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكفُرُ بِهَا إِلَّا الفَاسِقُونَ.
الكُفرُ بِاللَّهِ تَكذِيبٌ لِلبَرَاهِينِ الظَّاهِرَةِ، وَمُدَاحَضَةٌ لِلأَدِلَّةِ وَالحُجَجِ البَاهِرَةِ، الَّتِي دَلّتْ عَلَى وَحدَانِيّةِ اللَّهِ، وَصِدقِ رَسُولِهِ ﷺ، وَصِحَّةِ دِينِ الإِسلَامِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا يَجحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ، أَي غَدَّارٍ كِثيرِ الكُفرِ.
وقَالَ سُبحَانَهُ: وَيلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتلَى عَلَيهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُستَكبِرًا كَأَن لَم يَسمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ * مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغنِي عَنهُمْ مَا كَسَبُوا شَيئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَولِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجزٍ أَلِيمٌ.
الكُفرُ بِاللَّهِ غُرُورٌ وَطُغيَانٌ، وَاستِكبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الإِنسَانِ، الَّذِي هُوَ كَائِنٌ صَغِيرٌ، مُحتَاجٌ إِلَى رَبّهِ الغَنِيِّ الكَبِيرِ.
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا.
الكُفرُ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا مَدعَاةٌ إِلَى كُلِّ قَبِيحٍ مِن الأَقوَالِ، وَقَائِدٌ إِلَى كُلِّ رَذِيلٍ مِن الأَفعَالِ، فَالمُكَذِّبُونَ الكَافِرُونَ هُم المُعتَدُونَ الآثِمُونَ.
وَيلٌ يَومَئِذٍ لِلمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَومِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعتَدٍ أَثِيمٍ.
أَرَأَيتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ.
الكُفرُ بِاللَّهِ جَلّ وَعَلَا مُنَاقِضٌ لِلعُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَمُضَادٌّ لِلفِطَرِ القَوِيمَةِ، فَلَا يَكُونُ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ إِلَّا فَاسِدَ الفِكرَةِ، وَمَنكُوسَ الفِطرَةِ.
قَالَ تَعَالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فَهُمْ لَا يَعقِلُونَ.
عِبادَ اللهِ:
إِذَا كَانَ الكُفرُ بِاللَّهِ العَظِيمِ بِهَذَا الإِجرَامِ وَالسُّوءِ، فَلَا عَجَبَ أَن يَكُونَ مُحبِطًا جَمِيعَ الأَعمَالِ، مُستَوجِبًا الخَسَارَةَ العُظمَى فِي الحَالِ وَالمَآلِ: وَمَن يَكفُر بِالإِيمَانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ.
وَلَا عَجَبَ أَن يَكُونَ الكُفرُ بِاللَّهِ سَبَبًا لِانقِطَاعِ الأَمَلِ مِن رَّحمَةِ الرّحمَنِ، وَلاستِحقَاقِ العَذَابِ وَالهَوَانِ.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِن رَحمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
وَلَا عَجَبَ أَن يَكُونَ الكُفرُ بِاللَّهِ الذَّنبَ الوَحِيدَ الَّذِي لَن يَغفِرَهُ اللَّهُ أَبَدًا لِمَنْ مَاتَ عَلَيهِ.
قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ.
وَلَا عَجَبَ أَن يَكُونَ شَرُّ الخَلقِ جَمِيعًا هُمُ الكُفّارُ، وَيَكُونَ مَصِيرُهُم الخُلُودَ الأَبَدِيَّ فِي النّارِ.
قَالَ جَلَّ وَعَلَا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهلِ الكِتَابِ وَالمُشرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُم شَرُّ البَرِيَّةِ.
وَلَا عَجَبَ أَن يَكُونَ الكُفرُ بِاللَّهِ مُستَوجِبًا عَدَاوَةَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ، وَمُستَحِقًّا كَرَاهِيَتَهُ وَمَقتَهُ.
قَالَ سُبحَانَهُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلكَافِرِينَ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَونَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكبَرُ مِن مَقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذ تُدْعَونَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكفُرُونَ.
فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن حَالِ الكُفَّارِ، وَعَذَابِ أَهلِ النَّارِ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم، فَيَا فَوزَ المُستَغفِرِينَ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، وَبَعدُ:
إِخوَةَ الإِسلَامِ:
إِنّ مَنْ عَلِمَ قُبحَ الكُفرِ بِاللَّهِ وَمَا فِيهِ مِن الجُرمِ العَظِيمِ، عَلِمَ قَدرَ مَا أَنعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيهِ أَن جَعَلَهُ مِن المُؤمِنِينَ، وَشَعرَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ وَمَعنَاهُ، فَاعتَزَّ بِالإِيمَانِ، وَاستَعلَى بِهِ عَلَى سَائِرِ الأَديَانِ: وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ.
مَنْ عَلِمَ قُبحَ الكُفرِ بِاللَّهِ، وَجَدَ لِلإِيمَانِ فِي قَلبِهِ لَذَّةً وَحَلَاوَةً، أَوَلَمْ تَسمَعْ قَولَهُ ﷺ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَن يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ فِي الكُفرِ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ فِي النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَكَرَاهِيَةُ الكُفرِ مِن أَهَمِّ مَا تُذَاقُ بِهِ حَلَاوَةُ الإِيمَانِ.
مَنْ عَلِمَ قُبحَ الكُفرِ بِاللَّهِ، تَشَبّثَ بِإِيمَانِهِ وَتَمَسّكَ بِهِ، وَخَافَ عَلَيهِ أَن يُسلَبَ مِنهُ، فَاجتَنَبَ كُلَّ فِتنَةٍ تَصُدُّهُ عَن دِينِهِ، وَلَم يُغَامِرْ بِتَعرِيضِ قَلبِهِ لِشُبهَةٍ تُشَكِّكُهُ، أَو شَهوَةٍ تُلَوِّثُهُ، ثُمَّ وَقَى أَهلَهُ وَالأَقرَبِينَ مِن ذَلِكَ، وَلَم يُفَرِّطْ فِي تَربِيَتِهِم وَصِيَانَتِهِم مِن تِلكَ الفِتَنِ الَّتِي تُزِيغُ القُلُوبَ، وَتُضِلُّ العُقُولَ، وَتُزَلزِلُ الإِيمَانَ عَن الإِيقَانِ.
مَنْ عَلِمَ قُبحَ الكُفرِ بِاللَّهِ، تَبَرّأَ مِنَ الكُفرِ وَأَهلِهِ وَنَفَرَ مِنهُم، وَخَالَفَهُمْ وَلَم يَتَشَبَّهْ بِهِم، وَاتّخَذَ مِنْ خَلِيلِ اللَّهِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ وَأَتبَاعِهِ أُسوَةً حسنةً في قَولِهم لِقَومِهِم: إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرنَا بِكُمْ وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَحدَهُ.
مَنْ عَلِمَ قُبحَ الكُفرِ بِاللَّهِ، أَنكَرَ المُنكَرَاتِ الكُفرِيّةَ، وَعَمِلَ عَلَى إِزَالَتِهَا، وَجَدَّ فِي إِصلَاحِ الأَرضِ مِنْ فَسَادِهَا، وَتَطهِيرِهَا مِنْ نَجَاسَتِهَا، وَحَرَصَ جَهدَهُ عَلَى دَعوَةِ الكُفَّارِ، وَفَعَلَ مَا يَقدِرُ عَلَيهِ مِن هِدَايَتِهِم وَاستِنقَاذِهِم مِن النَّارِ.
ثُمَّ صَلّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ سَيّدِ المُرسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا، وَأَصلِحْ لَنَا دُنيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيهَا مَعَادُنَا، وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيرٍ، وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمّ اجعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، لَكَ رَاهِبِينَ مُطِيعِينَ، إِلَيكَ مُخبِتِينِ أَوّاهِينَ مُنِيبَينِ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوبَتَنَا، وَاغسِلْ حَوبَتَنَا، وَأَجِبْ دَعوَتَنَا، وَثَبِّتْ حُجّتَنَا، وَسَدِّدْ أَلسِنَتَنَا، وَاهدِ قُلُوبَنَا، وَاسلُلْ سَخَائِمَ صُدُورِنَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبادَ اللهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.