عنوان الخطبة: المرأة في الإسلام
عناصر الخطبة:
١- حال المرأة في الجاهلية.
٢- تكريم الإسلام للمرأة.
٣- واجب المرأة في الإسلام.
الحَمدُ لِلَّهِ السَّمِيعِ البَصِيرِ، العَلِيمِ القَدِيرِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَعلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ ذَوِي الفَضلِ الكَبِيرِ. أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعصُوهُ: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَقَد كَانَتِ المَرأَةُ قَبلَ الإِسلَامِ تَعِيشُ فِي ذُلٍّ وَهَوَانٍ، وَظُلمٍ وَطُغيَانٍ، فَإِذَا: بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَومِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ.
فَإِن أَمسَكَهَا عَلَى هُونٍ وَكَبِرَت عِندَهُ زَوّجَهَا بِدُونِ إِذنِهَا، ثُمَّ تَصِيرُ كَالأَمَةِ تَحتَ زَوجِهَا يَتَسَلّطُ عَلَيهَا بِأَنوَاعِ الظُّلمِ، فَيُعَلّقُهَا تَارَةً، وَيُطَلّقُهَا تَارَاتٍ، فَإِن مَاتَ عَنهَا زَوجُهَا حُرِمَت مِن المِيرَاثِ، وَتَوَارَثَهَا أَهلُ زَوجِهَا كَمَا يُورَثُ المَتَاعُ.
فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَأَشرَقَت نُورَ الإِسلَامِ استَعَادَتِ المَرأَةُ كَرَامَتَهَا، وَحَازَتْ حُقُوقَهَا، فِي ظِلِّ عُبُودِيّتِهَا لِرَبّهَا.
عِبَادَ اللَّهِ:
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَشَرَعَ لَهَا مِنَ الحُقُوقِ العَادِلَةِ مَا لَم يُشرَع فِي أُمَّةٍ مِن الأُمَمِ، وَلَا فِي عَصرٍ مِن العُصُورِ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَجَعَلَهَا شَقِيقَةَ الرَّجُلِ، وَجَعَلَ حُقُوقَهَا فِي الأَصلِ مِثلَ حُقُوقِ الرّجُلِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَجَعَلَ فِي تَربِيَةِ البَنَاتِ أَجرًا عَظِيمًا، قَالَ ﷺ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَينِ حَتَّى تَبلُغَا جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَينِ، وَضَمَّ إِصبَعَيهِ) أَخرَجَهُ مُسلِمٌ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَجَعَلَ لَهَا حُرِّيَّةَ اختِيَارِ زَوجِهَا دُونَ إِكرَاهٍ أَو إِجبَارٍ، قَالَ ﷺ: (لَا تُنكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُستَأمَر، وَلَا تُنكَحُ البِكرُ حَتَّى تُستَأذَن). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَأَوجَبَ لَهَا المَهرَ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ الزَّوَاجَ بِهَا، قَالَ تَعَالَى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَلَم يُوجِبْ عَلَيهَا أَن تَكُدّ كَدَّ الرِّجَالِ، وَتَعمَلَ خَارِجَ البَيتِ، بَل حَفِظَ حَقَّهَا فِي القَرَارِ وَالسَّكِينَةِ، وَأَوجَبَ عَلَى زَوجِهَا النَّفَقَةَ عَلَيهَا، قَالَ تَعَالَى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَليُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَأَمَرَ الأَزوَاجَ بِمُعَاشَرَةِ نِسَائِهِم بِحُسنِ المُعَامَلَةِ وَالصُّحبَةِ، قَالَ تَعَالَى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَجَعَلَ خَيرَ الأَزوَاجِ مَن كَانَ خَيرًا لِامرَأَتِهِ: فَفِي الحَدِيثِ قَالَ ﷺ: (خَيرُكُم خَيرُكُم لِأَهلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لِأَهلِي) أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ، وَعِندَ ابنِ مَاجَه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَقَد طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشكُونَ أَزوَاجَهُنّ، لَيسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُم).
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَمَنَعَ الزَّوجَ مِن تَعلِيقِ المَرأَةِ أَو إِمسَاكِهَا لِلإِضرَارِ بِهَا، فَحَدّدَ الطَّلَاقَ الرَّجعِيّ بِالمَرّتَينِ، ثُمَّ إِمَّا إِمسَاكٌ بِمَعرُوفٍ أَو تَسرِيحٌ بِإِحسَانٍ، قَالَ تَعَالَى:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمسَاكٌ بِمَعرُوفٍ أَو تَسرِيحٌ بِإِحسَانٍ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَحَدَّ لَهَا حَدًّا وَاضِحًا مِن المِيرَاثِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، سَوَاءً قَلّ المَالُ أَو كَثُرَ، قَالَ تَعَالَى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنهُ أَو كَثُرَ نَصِيبًا مَفرُوضًا.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ فَحَفِظَ لَهَا عِرضَهَا وَكَرَامَتَهَا، وَحَرَصَ عَلَى سَترِهَا وَصِيَانَتِهَا، وَشَرَعَ لَهَا مَا يَحفَظُ حَيَاءَهَا وَحِشَمَتَهَا، وَحَذّرَ مِن قَذفِهَا وَالنِّيلِ مِنهَا، بَل وَعَاقَبَ مَن فَعَلَ ذَلِكَ بِدُونِ بَيِّنَةٍ، قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَاتِ ثُمَّ لَم يَأتُوا بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلَا تَقبَلُوا لَهُم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ، وَقَالَ عَزّ وَجَلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ إِكرَامًا عَظِيمًا إِذَا كَانَت أُمًّا، فَجَعَلَهَا أَحَقَّ مِن الأَبِ بِالإِكرَامِ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَن تَرَكَ أُمَّهُ وَأَرَادَ الغَزوَ: (وَيحَكَ! اِلزَمْ رِجلَهَا فَثَمَّ الجَنَّةَ). أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه.
أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ حِينَ أَوصَى النَّبِيُّ ﷺ وَصِيّتَهُ المَشهُورَةَ فَقَالَ: (اِستَوصُوا بِالنِّسَاءِ خَيرًا) أَخرَجَهُ مُسلِمٌ.
فَفِي أَيِّ دِينٍ أَو نِظَامٍ أَو قَانُونٍ تَجِدُ المَرأَةُ مِثلَ هَذَا التَّكرِيمِ؟! فَيَا لَهُ مِن إِكرَامٍ مَا أَعظَمَهُ؟! وَيَا لَهُ مِن تَبجِيلٍ مَا أَحسَنَهُ وَأَجمَلَهُ؟!
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم، فَيَا فَوزَ المُستَغفِرِينَ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، وَبَعدُ:
إِخوَةَ الإِسلَامِ:
وَكَمَا أَكرَمَ الإِسلَامُ المَرأَةَ وَأَعطَاهَا مَا لَم يُعطِ غَيرَهَا، فَقَد أَنَاطَ بِهَا أُمُورًا عَظِيمَةً وَمَسؤُولِيَّاتٍ جَسِيمَةً، وَذَلِكَ لِمَا لَهَا مِن أَثَرٍ كَبِيرٍ فِي بِنَاءِ المُجتَمَعِ المُسلِمِ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: (المَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيتِ زَوجِهَا، وَمَسؤُولَةٌ عَن رَعِيَّتِهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فَهِيَ مُربِّيَةُ الأَجيَالِ، وَصَانِعَةُ الرِّجَالِ، فَكَمْ مِن أَئِمَّةِ الإِسلَامِ الَّذِينَ تَخَرَّجُوا مِن مَدرَسَةِ الأُمّ الأُولَى، وَكَانَ لِأُمَّهَاتِهِم الأَثَرُ الكَبِيرُ فِي تَربِيَتِهِمْ وَالِاعتِنَاءِ بِهِم حَتَّى صَارُوا رِجَالًا أَفذَاذًا، وَقَادُوا الأُمَّةَ نَحوَ مَجدِهَا وَعِزِّهَا.
وَهِيَ القَائِمُ الأَوَّلُ بِأَمرِ مَنزِلِهَا، وَالمُدَبِّرَةُ لِشُؤُونِ مَملَكَتِهَا، فَقَد أَمَرَهَا اللَّهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بِالقَرَارِ فِي بَيتِهَا، فَقَالَ تَعَالَى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى، وَفِي قِرَاءَةٍ (وَقِرْنَ) مِن الوَقَارِ، فَقَرَارُ المَرأَةِ فِي بَيتِهَا وَقَارٌ لَهَا وَجَمَالٌ.
وَهِيَ السَّنَدُ الأَوَّلُ لِزَوجِهَا فِي حَيَاتِه، فَيَجِدُ عِندَهَا أُنسَه وَرَاحَتَه، وَتُزِيلُ عنهُ أَحزَانَهُ وَأَتعَابَه، فَهَذِهِ أُمُّ المؤمِنِينَ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الغَارِ بَعدَ نُزُولِ الوَحيِ خَائِفًا وَقَالَ: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، ثمّ قَالَ: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفسِي) قَالَت له: (كَلَّا، أَبْشِر، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ). متفق عليه.
وَهِيَ مَأمُورَةٌ بِطَاعَةِ زَوجِهَا وَحِفظِهِ فِي غَيبَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، وَقَالَ ﷺ: (إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوجَهَا قِيلَ لَهَا: اُدخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ) أَخرَجَهُ أَحمَدُ.
ثُمّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.
اللَّهُمَّ اهْدِ نِسَاءَ المُسلِمِينَ، وَاصرِفْ عَنهُنّ شَرَّ الأَشرَارِ، وَكَيدِ الفُجّارِ، وَاستُرْ عَورَاتِهِنّ، وَآمِنْ رَوعَاتِهِنّ، وَاحفَظهُنّ مِن بَينِ أَيدِيهِنَّ وَمِن خَلفِهِنَّ وَعَن أَيمَانِهِنَّ وَعَن شَمَائِلِهِنَّ وَمِن فَوقِهِنَّ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَن يُغتَلنَ مِن تَحتِهِنّ. اللَّهُمَّ اغفِرِ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُمْ وَالأَموَات. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبادَ اللهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.