عنوان الخطبة: السحر.
عناصر الخطبة:
١- السحر وحقيقته.
٢- حكم السحر والذهاب إلى السحرة.
٣– الملاذ الآمن من السحر والشيطان.
الحمدُ للهِ الملكِ الدَّيّانِ، لهُ التَّدبيرُ والسُّلطانُ، لا يَعزُبُ عن علمِهِ شيءٌ، ولا يَشغَلُهُ شأنٌ عن شأنٍ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، أنزلَ كتابَهُ بالهدىٰ والشِّفاءِ والأمانِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما تعاقبتِ الأزمانُ.
أما بعدُ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عبادَ الله:
لمّا هاجَرَ المسلمونَ إلى المدينةِ المُنوَّرَةِ كانَ عدوُّهم الأوَّلُ والأخبَثُ همُ اليهودَ، لم يَترُكوا سبيلَ أذًى إلَّا فَعَلوهُ للنبيِّ ﷺ وأصحابِهِ، وكانَ من ذلكَ بَثُّ الشَّائعاتِ التي تُوهِنُ المسلمينَ وتُضعِفُهُم، فكانَ مِمّا أشاعوهُ: أنَّهُم سَحَروا المسلمينَ فلا يُولَدُ لهم.
مرّت أيّامٌ، والمسلمونَ لا يُولَدُ لهم وَلَدٌ، حتّى جاءَ يومٌ ارتجَّت فيه المدينةُ بالتكبيرِ، لقد وُلِدَ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبيرِ بنِ العوّامِ رضيَ اللهُ عنهُما، تقولُ أمُّهُ أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُما: «أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ اليَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلاَ يُولَدُ لَكُمْ». صحيح البخاري (٥٤٦٩)، وصحيح مسلم (٢١٤٦)، من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما. (١)
لم تَزَلِ الـحَربُ ضَروسًا بينَ الإنسانِ وعدوِّهِ الأوّلِ الشيطانِ الرجيمِ، والذي غايةُ طُموحِهِ: أن يعبدَهُ الإنسانُ من دونِ اللهِ.
أفَيمكنُ أن يعبدَ الإنسانُ الشيطانَ الرجيمَ؟
لقدْ قالَ تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس: ٦٠-٦١].
كثيرةٌ هي ضُروبُ عبادةِ الشيطانِ، لكن من أخطرِها تلك الصَّفقةُ الخاسرةُ، حيثُ يبيعُ الإنسانُ نفسَهُ للشيطانِ الرجيمِ، ليستمتِعَ كُلٌّ مِنهُما بالآخَرِ.
ألم يقُلِ اللهُ تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ؟ [الأنعام: ١٢٨].
ما أكثَرَ الذين أضلَّهُمُ الشيطانُ من بني آدمَ! فقدِ استمتعَ الإنسانُ الخاسرُ بخِدمةِ الشَّيطانِ له، واستمتعَ الشيطانُ بالإنسانِ يومَ أنْ صارَ عبدًا لهُ دونَ ربِّ العالمينَ.
إنَّ مِن أخبثِ صُوَرِ الاستمتاعِ الكُفريِّ بينَ الإنسانِ والشَّيطانِ: السِّحرَ، فإنَّهُ عملٌ يَتقرّبُ بهِ الساحرُ الإنسيُّ إلى الشَّيطانِ؛ للتّأثيرِ في بدنِ إنسانٍ أو في عقلِهِ أو قلبِهِ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ، وللسِّحرِ حَقيقةٌ، وقد يَضرُّ بإذن الله، وهذا القُربانُ يبدأُ من إتيانِ الكبائرِ والفواحشِ إلى الكفرِ باللهِ تعالى؛ إذ لا يتمُّ عملُ السِّحرِ غالبًا إلّا بأقوالٍ وأعمالٍ كُفريّةٍ يطلُبُها الشَّيطانُ، فيها تعظيمٌ أو عبادةٌ له من دونِ اللهِ؛ لذا كانَ السِّحرُ كُفرًا؛ فِعلُهُ والتَّصديقُ به وتعلُّمُه وتعليمُه.
قال تعالىٰ حاكيًا عن اليهودِ الذين أعرضوا عن التوراةِ، واستعاضوا عنها بتعلُّمِ السِّحرِ واستعمالِهِ: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[البقرة: ١٠٢].
لقد عدَّ النبيُّ ﷺ السِّحرَ من الموبِقات، فقال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ». صحيح البخاري (٤٨٠٠)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٢)
وأخبرنا النبيُّ ﷺ أنّه لا يدخُلُ الجنةَ مُصدِّقٌ بالسَّحَرة، فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ خَمْسٍ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ، وَلَا كَاهِنٌ، وَلَا مَنَّانٌ». مسند أحمد (١١١٠٧)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٦٧٨). (٣)
إنّ الذي يذهبُ للسَّحَرةِ ليسَ مِنَ الـمُؤمنِين، بنصِّ كلامِ النبيِّ الأمينِ ﷺ القائل: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ». مسند البزار (٣٥٧٨)، من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢١٩٥). (٤)
عبادَ الله:
لقد وُجِدَ السِّحرُ في البشريَّةِ منذُ القِدَمِ، واستعملَهُ خُبَثاءُ النفوسِ في الحصولِ على منفعةٍ أو إيصالِ أذًى، وذلك عن طريقِ الاستعانةِ بالشَّياطينِ.
ثمّ تفاقمَ الأمرُ في زمانِ هَشاشةِ النُّفوسِ وخَواءِ القلوبِ، فسارعَ الكثيرُ عندَ هؤلاءِ يَبغونَ حلًّا لمشاكلِهِم، وصارَ السحرُ عندَهم الشَّمّاعةَ التي يُعلَّقُ عليها كلُّ أمرٍ، حتى رأى كثيرٌ منهم أنَّ السِّحرَ طريقٌ سهلٌ للوصولِ إلى حظٍّ وكنزٍ، أو جلبِ حبيبٍ أو ولدٍ نجيبٍ، أو تفريقٍ بين زوجين، أو إهلاكِ معصومٍ بإتلافِ عقلِهِ أو جسدِهِ.
ثمّ اعتقدَ كثيرٌ من الناسِ أنَّ السِّحرَ أصلُ كلِّ مصيبةٍ، فمن تأخَّرتْ في زواجِها، أو تزوَّجتْ ولم تُنجِبْ، أو أرادتِ الطلاقَ، اعتقدوا أنَّها مسحورةٌ، ومن أقامَ مشروعًا فخسرَ، أو تأخَّرَ في دراستِهِ، أو أصابَهُ مرضٌ عضويٌّ أو نفسيٌّ، صارَ عندَ الناسِ مسحورًا، قائمةٌ لا تنتهي، وتبدأُ الرِّحلةُ من دجّالٍ إلى دجّالٍ، ومن كاهنٍ إلى عرّافٍ، بل ربما ذهبَ بعضُهم إلى الكنائسِ بحثًا عن الشفاءِ العاجلِ.
ألم يعلم هؤلاء أن النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»؟ صحيح مسلم (٢٢٣٠)، من حديث بعض أزواج النبي ﷺ. (٥)
ألم يسمَعْ هؤلاء أنَّ مَن صدَّق الكُهّان والسَّحرة قال فيه النبيُّ ﷺ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»؟ سنن أبي داود (٣٩٠٦)، وسنن الترمذي (١٣٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٥٢٢). (٦)
إنّ حدَّ السّاحرِ في الإسلامِ أن يَقتُلَهُ وليُّ الأمرِ دَفعًا لشرِّهِ؛ فإنَّهُ من الـمُفسِدينَ في الأرضِ.
ها هو أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه، يكتُبُ كتابًا إلى عُمّاله، وفيه: «اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ». سنن أبي داود (٣٠٤٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/٢٦٠). (٧)
هذِه عقوبتهُ في الإسلامِ، لكنَّ السَّحرة يُمجَّدونَ اليومَ في وسائلِ الإعلامِ، ويُقدَّمون لأطفالِنا في أفلامِ الكرتونِ على أنَّهم أُناسٌ صَالِـحون، يتحكَّمون في الكونِ والرِّيحِ والمطرِ، فأيُّ إفسادٍ للعقائدِ أعظمُ من هذا؟!
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
فيا عبادَ الله: أينَ الملاذُ الآمن؟
إنَّ أَكثَرَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ وُقُوعَ السِّحرِ عَلَيهِم يَعيشُونَ الوَهْمَ القاتِلَ، الَّذِي يَستَغِلُّهُ الدَّجاجلةُ النَّصَّابُونَ، أَوِ الجَهَلَةُ المُفسِدُونَ، فَيَتَقَلَّبُ المُسلِمُ بَينَ دَجَّالٍ يُفسِدُ عَلَيهِ دِينَهُ وَمَالَهُ، وجَاهِلٍ يُفسِدُ عَلَيهِ رُوحَهُ وَحَيَاتَهُ.
إنَّ مَن يُدبِّرُ الأمرَ هو اللهُ، الَّذي قالَ في السِّحرِ والسَّحرةِ: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[البقرة: ١٠٢].
وإنَّ مصيرَ كيدِ السّاحرِ وعملِهِ إلى الخُسرانِ بمعونةِ اللهِ، فقد قال تعالىٰ: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[طه: ٦٩]، وقال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[النساء: ٧٦].
إنَّ المؤمنَ لا يَخشى إلَّا اللهَ، ولا يتوكَّلُ إلَّا عليهِ، يُوقنُ أنَّ النَّفعَ والضَّرَّ بيدِهِ وحدَهُ، وأنَّ الشَّياطينَ مخلوقاتٌ في قَبضةِ الَّذي خَلَقَهَا، يقول تعالى عن نبيِّ اللهِ هود: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[هود: ٥٦].
ألا مَا أضعفَ الشيطانَ، متى ما ذكرَ العبدُ ربَّهُ وتوكَّلَ عليهِ!
إنَّ مِن هوانِهِ وضعفِهِ أنَّهُ لا يعلمُ الغيبَ، فلقد لبِثوا في العذابِ المهينِ في خدمةِ سليمانَ عليهِ السَّلامُ، حتى إذا قضى اللهُ عليهِ الموتَ، وكان متَّكئًا على عصاهُ، لم يعرفوا موتَهُ إلا حينَ أكلتْ دابةُ الأرضِ عصاهُ، قال سبحانه: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[سبأ: ١٤].
بل إنَّ مِن هوانِهِ وضعفِهِ أنَّهُ لا يستطيعُ أن يفتحَ بابًا مُغْلَقًا، قال النبيُّ ﷺ: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا». صحيح البخاري (٥٦٢٣)، وصحيح مسلم (٢٠١٢)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (٨)
إنَّ المؤمنَ الذي يُحافظُ على ذكرِ اللهِ، ويعوذُ بهِ من شرِّ الشيطانِ، يُعيذهُ ربُّ العالمينَ، ويَرُدُّ عنهُ كيدَهُ، فإنَّ ذِكرَ اللهِ بقلبٍ مؤمنٍ حاضرٍ هو الحِصنُ الحَصينُ، يقول النبيُّ ﷺ: «وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ». سنن الترمذي (٢٨٦٣)، من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٣/١٤٥). (٩)
إنَّ حالَ المؤمنِ في صلاحِهِ وتوكُّلِهِ وذِكرِهِ لربِّهِ مع شيطانِهِ، كما قال النبيُّ ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِي شَيَاطِينَهُ، (أي يجعلهم أذلّاءَ مَهزولين ضُعَفاءَ) كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بَعِيرَهُ فِي السَّفَرِ».
مسند أحمد (٨٩٤٠)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٥٨٦). (١٠)
ولقد أبدلَنا اللهُ بِرُقى الجاهليَّةِ المليئةِ بالشركِ والاستعاذةِ بالشيطانِ الرجيمِ رُقًى شرعيَّةً، فيها الضَّراعةُ والاستعاذةُ بربِّ الفلقِ من شرِّ ما خلق، ومن شرِّ النَّفاثاتِ في العقد.
اللَّهُمَّ أعِذْنا وجميعَ المسلمينَ، من إبليسَ وجنودِهِ، مِن هَمزِهم ونَفخِهم ونَفثِهم.
اللهمَّ انصرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعفينَ، وارفعْ رايةَ الدينِ، بقوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.