شارك الدكتور لؤي بن غالب الصمادي، رئيس اللجنة العلمية بمركز حصين، في المؤتمر الدولي المنعقد بجامعة الأزهر بالقاهرة، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، برعاية الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وبرئاسة الدكتور رمضان محمد حسان عميد الكلية، وبحضور نخبة كبيرة جدًا من العلماء والأكاديميين والباحثين من بعض الدول العربية، تحت عنوان "التغريب في العلوم العربية والإسلامية".
كما شارك في المؤتمر، الدكتور فيصل القلاف، عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت، والدكتور عبد الحميد الحصري، عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا بأمريكا، ومؤلف كتاب "دعوة الملحدين.. دراسة تأصيلية ووقفات علمية" الصادر عن مركز حصين للأبحاث والدراسات.
وحضر المؤتمر لفيف من العلماء والباحثين، من أبرزهم الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، والدكتور سلامة جمعة داوود رئيس جامعة الأزهر، والدكتور عباس شومان عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور زكي أبو سريع أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، والدكتور عبد التواب محمد عثمان أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية، وعدد كبير من الباحثين.
بدأ المؤتمر الدولي بالقرآن الكريم، ثم كلمة رئيس المؤتمر الدكتور رمضان حسان عميد الكلية، والتي حذّر فيها تحذيرًا شديدًا من خطورة التغريب على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مشيرًا إلى ضرورة انعقاد هذا المؤتمر وغيره من مؤتمرات في ظل هذه الظروف الحساسة التي تمر بها الأمة الإسلامية، والخطط التغريبية التي تحاك لها بين الحين والآخر.
وأضاف حسان في كلمته، أن الثقافة العربية والإسلامية تواجه حاليًا أشد حملات التغريب لتشويهها، وسلخها عن هُويتها الإسلامية، محذّرًا من الانسياق خلف دعوات التحرر التي تظهر بين الحين والآخر، مشيرًا إلى أن ثقافتنا العربية والإسلامية تتعرض لمحاولات من الهدم والتشكيك والتغريب منذ زمن بعيد، وقد بلغت هذه المحاولات ذروتها في الخطورة والتأثير في هذا العصر، وخاصة في ظل هذه الظروف الراهنة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة في غزة الأبية، رمز الصمود والكرامة والإباء، سائلًا الله أن ينصرهم وأن يثبتهم، وأن ينتقم من عدوهم شر انتقام.
وفي نفس الصدد، قال الدكتور سلامة داوود رئيس جامعة الأزهر، إن التغريب والتغييب أخوان؛ فالتغريب الافتتان بالغرب وما أنجزه في العلوم افتتانًا أغرى بالافتتان بالغرب في كل شيء حتى في المأكل والمشرب والملبس وكثير من الانفلات الذميم في الأخلاق والسلوك والمبادئ.
وأضاف داوود في كلمته، إن الواقع يشهد أن المجتمع الغربي كلما ازداد تقدمًا في العلوم العملية ازداد انحرافًا وتأخرًا في الجانب الأخلاقي.
وأوضح أن التغريب أدى إلى التغييب، أي: إلى تغييب ثقافتنا وفكرنا عن جيلنا وأجيالنا الناشئة التي صارت مُفَرَّغةً خاوية على عروشها من فكر أمتها وثقافتها، فكان عاقبةُ ذلك كما قال شيخنا أبو موسى -حفظه الله تعالى- أن نشأت عقول ضعيفةٌ مُسْتَرَكَّةٌ كان همُّها وسَدَمُها هَدْمَ تراثها الذي غُيِّبَت عنه، وهدم الثوابت المستقرة في الدين والفكر والأدب والأخلاق؛ فأثر كل من التغريب والتغييب على الأمة العربية والإسلامية في علومها وآدابها وأخلاقها وسلوكها.
وبيَّن رئيس الجامعة أننا نعيش الآن في زمن علامةُ التقدم فيه هي هدم الماضي وهدم التراث الحضاري للأمة، ولا يزداد ذلك إلا تماديًا وتطاولًا بما نرى ونسمع كل يوم، ورحم الله الأخفش؛ لما رأى في زمانه تجاوزًا من بعض النحاة بزعم التقدم وتجديد النحو قال كلمته النبيلة: «إنهم يتقدمون بالنحو ولكنهم يتقدمون إلى الخلف»، وهي كلمة نبيلة نقولها لكل تقدم مزعوم ينبني على هدم الثوابت وتخريب العقول، ورحم الله الأخفش إذ شكا ذلك في زمانه فإننا نشكو إليه في زماننا أننا أصبحنا نقرأ عن نحو لا نعرفه، وعن فقه لا نعرفه، وعن عُرفٍ لا نألفه، وعن أدب لا نفهمُه.
واختتم داوود كلمته، بخالص الدعاء لغزّة الأبيّة، ولأهلها المرابطين، أن ينصرهم الله سبحانه وتعالى على اليهود المجرمين، مختتمًا بقوله: لا للتهجير.. لا لإبادة الشعب الفلسطيني.
من جانبه، شارك الدكتور لؤي بن غالب الصمادي، الداعية الإسلامي ورئيس اللجنة العلمية بمركز حصين للأبحاث والدراسات بالكويت، ببحث بعنوان: "الاستعلاء الإيماني: وسائله، وأثره في مواجهة التغريب".
وأكد الصمادي في كلمته، أن التدافع بين الحق والباطل سنة ماضية، مستشهدًا بقول الله عز وجل: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين"، وأن الله عز وجل يداول الأيام بين الناس، ومن أعظم الحملات التي يواجهها أهل الإسلام منذ حقبة الاستعمار"حملة التغريب" التي تستهدف كسر المدافعة النفسية أمام تيار الحضارة الغربية.
وأوضح رئيس اللجنة العلمية بمركز حصين، أن هذه الحملة مقصودها في الأساس تحقيق التبعية الكاملة من خلال إذابة الهوية المسلمة في بوتقة الحضارة الغربية، وآلية هذه الإذابة هي كسر الصلابة النفسية من خلال صنع انبهار واحتقار، انبهار بما عليه الغرب، واحتقار لما نحن عليه من حضارة وتراث، وينتج عن هذين الأمرين، تبعية للغرب يرى فيها المسلم -المتأثر بهذا التيار- مخرجًا من هذه المهانة فلا يزداد في الحقيقة إلا هونًا وضعفًا، مضيفًا: "هنا يبرُز دور الاستعلاء الإيماني في مواجهة هذا التيار".
وتابع الصمادي، الاستعلاء هو شعور بالعلوّ والفوقية، شعور بالاعتزاز، لا بالمادة والدنيا، ولا علوًّا دنيويًا، وإنما هو اعتراف بنعمة الله، واصطباغ بصبغة النعمة الإلهية التي هي هذا الدين العظيم.
وحول بحثه العلمي المقدم بالمؤتمر، قال الصمادي: هذا البحث فيه تقرير معنى الاستعلاء الإيماني، وبيان مشروعيته، وبيان أهميته في مواجهة التغريب، وذلك من خلال بيان معنى التغريب وآلياته، والربط بين الاستعلاء الإيماني ومواجهة التغريب، ومن خلال البحث في هذا الموضوع ظهرت وسائل مهمة ينبغي امتثالها واستعمالها لتحقيق هذا الاستعلاء الإيماني، ليكون هذا الاستعلاء صخرة تتحطم عليها أمواج التغريب.
وشارك الدكتور فيصل القلاف، الأستاذ المساعد بقسم التفسير والحديث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالكويت، ببحث بعنوان: "بيان السنّة النبوية.. بحث في مطابقة فهم المسلمين للمقصد النبوي، ودفع محاولات التغريبيين للتحريف المعنوي".
وقال القلاف في كلمته، هذا البحث يتصل بأصل عظيم في دين الإسلام وهو "التمسك بالسنة النبوية" مشدّدًا على أن دين الإسلام لا قوام له إلا بالأخذ بالسنّة النبوية والبناء عليها، مستدلّا بقول الله سبحانه وتعالى: "قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإنّ الله لا يحبّ الكافرين"، وقوله تعالى: " ومن يعصِ الله ورسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدًا" فرتب الله على معصية النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق حكم الكفر، وهو الخلود في نار جهنم أبدًا.
واستشهد عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت، بقوله سبحانه وتعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"، فنفى الله الإيمان عمّن لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، فعلّق الله عز وجل الإيمان به وباليوم الآخر على التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأطلق الدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، تحذيرًا قويًّا مما وصفه بـ"الجهود الممنهجة لهدم الإسلام التي تتستر خلف الشعارات"، مثل: التغريب والتقارب الثقافي، مؤكدًا أن الخطر لا يكمن فقط في التبعية الفكرية، بل في استبدال القيم الإسلامية الأصيلة بقيم دخيلة، .
وأوضح «صديق» أن ما يُعرف بـ«التغريب» لا يعكس حجم التحدي الحقيقي؛ فالمسألة ليست في مجرد الانبهار بحداثة الغرب، بل في تغلغل نمط حياتهم وقيمهم في مجتمعاتنا، مشيرًا إلى أن الإسلام يمتلك من القوة الحضارية ما يمكنه من المواجهة إذا ما وُجد الوعي والإرادة.
واستعرض نائب رئيس الجامعة السياق التاريخي لهذا الصراع، مذكّرًا بما شهده العصر العباسي من مواجهات فكرية مبكرة، خاصة في عهد الخليفة المهدي وهارون الرشيد، حين تصدى الخلفاء لمحاولات تمرير مفاهيم غريبة تحت مسمى الانفتاح، مضيفًا أن هذا التأثير عاد مع تراجع القوة الإسلامية ليتخذ اليوم أشكالًا جديدة أكثر نعومة وأشرس خطورة.
وانتقد صديق انشغال الشباب المسلم بقضايا سطحية كالفن والرياضة على حساب قضايا الأمة، قائلًا: «أصبح الطالب الذي يفترض أن يحمل سلاح العلم والفكر، مشغولًا بتجديد عقد لاعب كرة ومثل هذه الأمور، وأصبح الملهم له ليس المفكر أو العالم، بل لاعب الكرة والنجم على الشاشات»، مشيرًا إلى ما أطلق عليه: صناعة التفاهة التي أصبحت منهجًا عالميًّا يهدد القيم، محذرًا من تحول هذا النمط إلى بديل عن الهوية الأصيلة، ملفتًا في هذا السياق إلى كلمة مهمة للدكتور عباس شومان تناولت هذا الموضوع بتأصيل علمي رصين.
واختُتم المؤتمر، بجلسة ختامية قدّمها الدكتور عبد التواب محمد عثمان أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية، أكد فيها على العديد من التوصيات المهمة، الرافضة لهذا التغريب، والذي تسبب في آثار كارثية تأثرت بها أمتنا الإسلامية، وعلى ضرورة التصدي له بكافة الوسائل الممكنة، من خلال انعقاد المؤتمرات، والمناهج الدراسية، والمنصات الإعلامية المختلفة، وغيرها.