خطبة (حرائق الطغيان)

خطبة (حرائق الطغيان)

عنوان الخطبة: حرائق الطغيان.

عناصر الخطبة:

١- الطغيان داء الأمم.

٢- عقوبات الله نوعان.

٣–  أسباب العقوبات.

٤- الرؤية المتكاملة.

 

الحمدُ للهِ الجبّارِ الذي قصمَ الجبابرةَ، القهّارِ الذي كسرَ القياصرةَ والأكاسرةَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أقامَ اللهُ بهِ الدينَ وجعلَ الملّةَ بهِ ظاهرةً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا في الدنيا والآخرةِ.

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عبادَ الله:

يقول جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ رحمه الله: لَمَّا فُتِحَتْ مَدَائِنُ قُبْرُسَ، وَقَعَ النَّاسُ يَقْتَسِمُونَ السَّبْيَ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ، وَيَبْكِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَتَنَحَّى أَبُو الدَّرْدَاءِ يَبْكِي، فَأَتَاهُ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ؟ أَتَبْكِي فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ فِيهِ الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ؟!» فَضَرَبَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ويحك يَا جُبَيْرُ بْنَ نُفَيْر! مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللَّهِ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَه! بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى النَّاسِ لَهُمُ الْمُلْكُ، حَتَّى تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى!».  سنن سعيد بن منصور (٢٦٦٠)، بإسناد صحيح. (١)

عبادَ الله:

خلقَ اللهُ الإنسانَ بيدِهِ، علَّمَهُ وكرَّمَهُ، وسخَّرَ لهُ ما في السماواتِ وما في الأرضِ، وأسبغَ عليهِ نعمَهُ ظاهرةً وباطنةً، وأنزلَ إليهِ الكُتبَ وأرسلَ إليهِ الرُّسلَ، وهداهُ إلى الصِّراطِ المستقيمِ، وبيَّنَ لهُ الحقَّ والباطلَ، إلَّا أنَّ في الإنسانِ داعيةَ الطُّغيانِ، ما إنْ يجعلُ اللهُ لهُ قوَّةً وقُدرةً وسلطانًا حتى يرى نفسَهُ مستغنيًا عن اللهِ، فيكفُرَ بربِّهِ، ويعاديَ رُسلَهُ، ويُحرِّفَ كُتُبَهُ، ويَعبُدَ هواهُ، ويَصُدَّ الناسَ عن سبيلِ اللهِ.

قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ ‌اسْتَغْنَى[العلق: ٦-٧].

لقد قصَّ اللهُ علينا أنباءَ أممٍ بائدةٍ، أهلكَهُم اللهُ بطُغيانِهِم، قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ ومَدْينَ وقومِ إبراهيمَ وقومِ لوطٍ وقومِ فرعونَ، سيرتُهُم جميعًا واحدةٌ، تشابهَتْ قلوبُهُم، كأنَّ كلَّ أمَّةٍ تُوصي أختَها بضلالِها، والحقيقةُ كما قالَ سبحانهُ: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ ‌طَاغُونَ[الذاريات: ٥٣].

إنَّهُ الطُّغيانُ، طُغيانُ الكُفرِ، وطُغيانُ الظُّلمِ، وطُغيانُ الفسادِ. ذلكُم أصلُ الدَّاءِ الذي بسبَبِهِ أُبيدَتِ الأممُ.

قالَ تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * ‌فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى[النجم: ٥٠-٥٥].

حدَّثَنا اللهُ أنَّهُ بالـمِرصادِ لهؤلاءِ المجرِمينَ، وأنَّهُم لا يُعجِزونَهُ، مهما تعاظموا وتكاثرتْ عليهم مظاهرُ الحضارةِ والرِّيادةِ.

قالَ الله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ ‌طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ[الفجر: ٦-١٤].
 

لكن؛ لماذا أحلَّ اللهُ بهم نِقْمتَهُ؟

إنَّ أعظمَ الجرائمِ التي أُبيدَتْ بها تلكَ الأممُ كانتْ كُفرَهم بربِّ العالمينَ، وتكذيبَهُمُ المرسلينَ.

قالَ تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا ‌فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ[غافر: ٢١-٢٢].

هكذا: فَكَفَرُوا ‌فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ. وكفى بهِ جُرمًا استحقُّوا بهِ انتقامَ اللهِ جلَّ جلالُهُ.

أهلكَهُم اللهُ لما ظلَمُوا وبغَوْا، وفَسَقُوا وطَغَوْا، وأفسدُوا وعَتَوْا.

وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا[الكهف: ٥٩].

وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ‌فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[الإسراء: ١٦].

إنَّ اللهَ ما قصَّ علينا نبأَ هؤلاءِ إلَّا لنعتبرَ، فإنَّ العاقبةَ لا تتغيَّرُ، وسُننَ اللهِ لا تتبدَّلُ.

وعقوباتُ اللهِ التي أنزلَها بالكافرينَ نوعانِ: عقوباتُ استئصالٍ لا تُبقِي ولا تَذَرُ، وعقوباتُ إنذارٍ، لا يكونُ بها الهلاكُ والاستئصالُ العامُّ، إنما هو ضَرٌّ وتحذيرٌ وإنذارٌ، لعلَّهُم يرجعونَ إلى العزيزِ الغفَّارِ.

قالَ تعالى: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الزخرف: ٤٨].

انظرْ إلى قومِ فرعونَ كيفَ أرسلَ اللهُ عليهِم عقوباتِ إنذارٍ متتالياتٍ، فاستكبروا على ربِّ البريَّاتِ.

قالَ سبحانه: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ‌الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ[الأعراف: ١٣٣].

وانظرْ إلى أصحابِ الجَنَّةِ الذينَ تعاهدوا على منعِ حقِّ الفقراءِ والمساكينِ، كيفَ عذَّبَهُمُ اللهُ بنارٍ أحرقتْ ثمارَهُم، كأنْ لم تَغْنَ بالأَمسِ.

قالَ سبحانه: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ ‌كَالصَّرِيمِ[القلم: ١٧-٢٠]، قال جلّ وعلا في نهاية قصتهم: كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[القلم: ٣٣].

عبادَ الله:

دومًا يُعيدُ التاريخُ نفسَهُ، وكما كانتْ على الأرضِ عادٌ، تلكَ التي قالَ أكابِرُها: مَنْ ‌أَشَدُّ ‌مِنَّا قُوَّةً[فصلت: ١٥]، كذلكَ اليومَ، توجد أمّةٌ فاجرةٌ، لم تترُكْ كفرًا إلّا فعلَتْهُ، أمّةٌ تتقلَّبُ بينَ الشِّركِ والنَّصرانيةِ، وترعى الإلحادَ واللَّادينيةَ، وتتبنّى الفِكرةَ الصِّهيونيةَ، تنشُرُ الشُّذوذَ وتُشوِّهُ الفِطرةَ الإنسانيةَ، وتحاربُ الإسلامَ وأهلَهُ في كلِّ بقاعِ الدنيا، أمّةٌ باغيةٌ أعظمَ البغيِ والعُدوانِ، تنصُرُ كلَّ ظالمٍ ومجرمٍ، وتُمِدُّ اليهودَ القتلةَ المجرمينَ بالمالِ والسِّلاحِ، وتفعَلُ ببلادِ المسلمينَ الأفاعيلَ، تاريخُها أسودُ نشأةً ومعاصَرةً، دمَّروا بلادَ المسلمينَ، وتسلَّطوا على خَيراتِهِم، ونهبوا ثرَواتِهِم.

أمّةٌ في غايةِ الكِبْرِ والصَّلَفِ، غرَّهُم سلطانُهُم وأساطِيلُهُم، وظنُّوا أنَّهُم لا يُقهرونَ.

إلا أنَّ للهِ في خلقهِ آياتٍ باهرات، فهو القائل سبحانه: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا ‌تَخْوِيفًا * وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ[الإسراء: ٥٩-٦٠].

في غَمضةِ عينٍ يُرسِلُ اللهُ ريحًا وأعاصيرَ، فتَتوقَّدُ النيرانُ، وتستعِرُ الغاباتُ، وتحترِقُ البيوتُ، ويَفِرُّ الناسُ من الجحيمِ، بعدَ النعيمِ المقيمِ.

إنَّ الكونَ كلَّهُ بيدِ اللهِ، هو وحدَهُ المتصرِّفُ فيهِ، القويُّ القادرُ القهَّارُ، غالبٌ على أمرِهِ، فعَّالٌ لما يُريدُ، ما من دابةٍ إلَّا هو آخذٌ بناصيتِها، يُؤتي المُلكَ وينزِعُهُ، يُعزُّ ويُذِلُّ، يرفعُ قومًا ويخفضُ آخرينَ، وما يعلمُ جنودَ ربِّكَ إلَّا هو، وما هي إلَّا ذِكرى للبشرِ.

ذِكرى لضعافِ الإيمانِ ممَّن أيِسُوا من رحمةِ الرحيمِ الرحمنِ، وتذكيرٌ بأنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ شهيدٌ، وأنَّهُ يُملي للظالمِ حتَّى إذا أخذَهُ لم يُفلتْهُ.

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعد:

فإنَّ بعضَ المسلمينَ قد يَعْشَى عن الحقِّ، وتَصيرُ عندَهُ الرُّؤيةُ ضَبابيَّةً، فلا يعرِفُ كيفَ ينظرُ إلى عقوباتِ اللهِ النازلةِ بالمجرمينَ المكذِّبينَ.

إلَّا أنَّ مَن اهتدى بالوحيِ أبصرَ الحقَّ سراجًا منيرًا.

نبيُّنا ﷺ رحمةُ اللهِ للعالمين، الذي لـمّا جاءهُ مَلَكُ الجبالِ قائلًا: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ قَالَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»صحيح البخاري (٣٢٣١)، وصحيح مسلم (١٧٩٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٢)

هو نفسُه الذي دعَا على كفّار قريش في صلاتِه قائلًا: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». صحيح البخاري (٨٠٤)، وصحيح مسلم (٦٧٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٣)

النبيُّ ﷺ كانتْ حياتُهُ بلاغًا لدعوةِ الإسلامِ، كانَ حريصًا على هدايةِ الخلقِ، ورحمةَ اللهِ للعالمينَ، عاداهُ كفارُ قريشٍ، سبُّوهُ واتَّهموهُ بالجنونِ والكَذِبِ، ضربوهُ وحاولوا قتلَهُ، صبرَ عليهم أعظمَ الصَّبرِ، يدعو لهم بالهدايةِ، إلَّا أنَّهُمُ ازدادوا طغيانًا وكفرًا، ساموا المستضعفينَ من المؤمنينَ سوءَ العذابِ، حينئذٍ دعا عليهمُ النبيُّ ﷺ ربَّهُ أن يشتدَّ عليهم بأسُهُ وسَطوتُهُ وعذابُهُ، وأن يُعذِّبَهُم بالجَدبِ والقَحطِ عددَ سنينَ، لعلَّهُم يرجعونَ ويتوبونَ، فاستجابَ اللهُ لنبيِّهِ ﷺ، حتى إنهم أَكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَالجِيَفَ، وَكان َأحَدُهُمْ يَنْظُرَ إِلَى السَّمَاءِ، فيرى الدُّخَانَ من الجُوعِ. رواه البخاري في صحيحه (١٠٠٧)، ومسلم في صحيحه (٢٧٩٨)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (٤)

وهكذا كانَ الأنبياءُ من قبلِهِ، إنْ أيِسَ نبيٌّ من قومِهِ دعا اللهَ عليهم بالهلاكِ والدَّمارِ.

ها هو نوحٌ عليهِ السلامُ بعدَ ألفِ سنةٍ إلَّا خمسينَ عامًا من الدعوةِ والبلاغِ يقومُ داعيًا قائلًا: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ ‌مِنَ ‌الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا[نوح: ٢٦-٢٧].

وها هو موسى عليهِ السلامُ ومعهُ أخوهُ هارونُ يَدْعُوانِ على فرعونَ وملئِهِ بما كفَروا وصدُّوا عن سبيلِ اللهِ بأموالِهِم وسلطانِهِم. قال تعالى: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ ‌زِينَةً ‌وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ[يونس: ٨٨].

عِبادَ الله:

إنَّ المؤمنَ يرجو الهدايةَ للناسِ أجمعينَ، ويفرحُ بإسلامِ الكافرينَ، وفي ذاتِ الوقتِ يُجاهِدُ الكفارَ والمنافقينَ، فإنْ وقعَ عذابُ اللهِ بالمجرمينَ، حَمِدَ اللهَ الذي شفى بعقوباتِهِ صدورَ المؤمنينَ.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين القائل: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ‌فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ[التوبة: ٥٢].

اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، ويؤذون أولياءك، اللهمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَأَلْقِ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، إِلَهَ الْحَقِّ.

اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

شارك المحتوى: