عنوان الخطبة: روح طيبة، وأخرى خبيثة.
عناصر الخطبة:
١- طيب وخبيث.
٢- كيف طابت نفوس وخبثت أخرى؟.
٣– الإيمان سر لطيب القلوب والأعمال.
٤- الطيبون طابت حياتهم في الدنيا والآخرة.
الحمدُ للهِ والطَّيِّباتُ للهِ، هو القُدُّوسُ الطيبُ، لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وإليهِ يصعدُ الكلمُ الطيبُ، أحلَّ الطيباتِ وحرَّمَ الخبائثَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التّقَوى، وراقبوهُ في السرِّ والنجوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ
هكذا تُرحِّبُ الملائكةُ بالمؤمنينَ على أبوابِ الجنانِ.
طبتمْ فادخلوها خالدينَ، كما طبتمْ في الدنيا، طابَ مثواكمْ في الآخرةِ.
رحلةٌ من الحياةِ الطيِّبةِ لعبادِ اللهِ الطيبينَ، طابتِ القلوبُ والأعمالُ والأجسادُ، على ذلكَ عاشوا وعليهِ فارقوا الدنيا، وعليهِ يُبعثونَ يومَ القيامةِ حتى يكونَ المأوى الجنَّةَ دارَ الطيبينَ.
يا عبادَ اللهِ:
هما نداءانِ لا ثالثَ لهما، يسمعُ العبدُ أحدَهما عندَ موتِه.
يقول النبي ﷺ: «إِنَّ الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاج، فَلَا يَزَالُ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهُ لَا يُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَتُرْسَلُ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ». مسند أحمد (٦٨٧٢)، من حديث عبد الله بن عمرو، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٢٨٨). (١).
نفسٌ طيبةٌ كانتْ في جسدٍ طيبٍ، ونفسٌ خبيثةٌ كانتْ في جسدٍ خبيثٍ.
كيفَ طابتْ نفوسٌ وأجسادٌ، وخَبُثَتْ نفوسٌ وأجسادٌ؟
يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم: ٢٤-٢٧].
السِّرُّ الأعظمُ لطِيب القلوبِ والأرواحِ والنُّفوسِ والأعمال: الكلمةُ الطيبة؛ كلمةُ التوحيد: (لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ الله).
الإيمانُ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمدٍ ﷺ نبيًّا ورسولًا، هوَ الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ التي إنْ غُرِستْ في القلوبِ أثمرتْ كلَّ طيِّبٍ وطاهر، ونَفَتْ كلَّ رِجسٍ خبيث.
إنّه المؤمنُ الطيِّب، الذي طابَ قلبهُ بإيمانهِ بالله، بتسليمهِ للهِ ولشرعه، أحبَّ اللهَ وأحبَّ دينه، تراهُ خاضعًا بحبٍّ وتعظيمٍ لكلّ أوامرِ ربِّه ومولاه، لا ينتقي منها ما يوافقُ هواه، إنما هو مستسلمٌ تمامَ الاستسلام، فطابتْ جوارحُهُ بالأعمالِ الصَّالحة، وطابَ كلامُهُ بالقولِ الطيِّب، وطابَ مطعمُهُ بالطَّعامِ الطيِّبِ، فلا يأكلُ إلا حلالًا طيِّبًا.
كالأرضِ الطيِّبة، طابَ بَذْرُها وماؤها فخرجَ نبتُها طيِّبًا بإذن ربها.
قال تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ[الأعراف: ٥٨].
ويقولُ النبي ﷺ: «إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودِ شَجَرٍ لَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِد». مسند أحمد (٨٧٦٩)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٣٤٣٧). (٢).
هكذا المؤمنُ كالوِعاء، لا يمكنُ أن يَطيبَ أعلاهُ إلا إن طابَ أسفله.
يقول النبيُّ ﷺ: «إِنَّمَا مَثَلُ عَمَلِ أَحَدِكُمْ كَمَثَلِ الْوِعَاءِ إِذَا طَابَ أَعْلَاهُ طَابَ أَسْفَلُهُ وَإِذَا خَبُثَ أَعْلَاهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ». مسند أحمد (١٦٨٥٣)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٧٣٤). (٣).
المؤمنُ يُحِبُّ ربَّه الذي مِن أسمائِه الحسنى الطَّيِّب، والذي لا يأمُرُ إلا بالطّيبات، ولا يقبلُ إلا الطّيبَ من القولِ والعمل.
قالَ سبحانه: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ[المائدة: ٤].
وقَالَ ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[المؤمنون: ٥١] وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[البقرة: ١٧٢]». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» صحيح مسلم (١٠١٥). (٤).
اللهُ الطَّيِّبُ سبحانه أحلَّ الطيِّبات، وحرَّم كلَّ خبيث.
ها هوَ ابن عمر رضي الله عنه يتعجَّب قائلًا: «مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ؟ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَاسِقًا، وَاللَّهِ مَا هُوَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ». سنن ابن ماجه (٣٢٤٨)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢٦٢٨). (٥)
ذاكَ الإيمانُ الذي يُثمرُ التقوى والخشيةَ من ربِّ العالمين، فتطيب الأقوال والأعمال.
كما قال سبحانه: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[النحل: ٣٠-٣٢].
أما الخبيثُ فإنما خبُثتْ نفسُه لخُبثِ قلبه، ولذا كانَ أخبثَ الخلقِ الشيطانُ الرجيمُ الذي يتعوَّذُ المؤمنُ بالله منه إذا دخلَ الخلاء قائلا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِث». صحيح البخاري (١٤٢)، وصحيح مسلم (٣٧٥)، من حديث أنس رضي الله عنه. (٦).
الشيطانُ الخبيثُ الذي تكبّرَ على الاستسلامِ لأمرِ الله، وكذلك أولياؤهُ الذين يأبَوْنَ الاحتكامَ لشرعِ الله، خبُثتْ نفوسهم فأحَبّوا الخبائث، يُشيعونها بينَ الناس، بل يحملونهم عليها بكل سبيل.
أوَلم تسمعْ ما قاله جعفرُ بن أبي طالب رضيَ الله عنه للنَّجاشي؟
لقد وقفَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أمام النجاشيِّ قائلًا: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ، ثم قال: فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ». مسند أحمد (١٧٤٠)، بإسناد حسن، وأورده الألباني في صحيح السيرة النبوية (ص ١٧٤). (٧).
فتأمّل قوله: «وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ»!
هكذا أرادَ الخبثاءُ في كل زمان، أنْ يصبحَ الخبيثُ من القولِ والعملِ والسلوكِ مباحًا مستساغًا، لا تنفِرُ منه النُّفوس، ولا مكانَ لطيِّبٍ بينَهم، تمامًا كما فعلَ قومُ لوطٍ عندمَا قالوا: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ[النمل: ٥٦].
لكنّ الله نجاهُ فقال: وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ[الأنبياء: ٧٤].
ترى الخبثاءَ يُهوِّنون من شأنِ الخبائث، يُسوِّقونَ لها في قالَبِ الحرّيةِ وتَعدّديةِ الرأي، وربُّنا سبحانه يقول: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[المائدة: ١٠٠].
لكنَّ هذه الفواحشَ خبائثُ وقاذوراتٌ، يأنَفُ منها ومن أصحابها كلُّ طيب، ولا يرضى بالخبيثِ إلا من خبُثتْ نفسُهُ وروحه.
لذا ترى الطيِّب حتى في زواجه لا يَنكِح إلا نفسًا طيبةً ذاتَ دين، كما قال سبحانه: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: ٢٦]
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعد:
فلقدْ وعدَ اللهُ المؤمنينَ المتَّقينَ الطيِّبينَ بالحياةِ الطَّيِّبة في الدنيا والآخرة.
قالَ تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[النحل: ٩٧].
حياةٌ طيِّبة، حتى لو لم يُبْسَطْ له من الدُّنيا ما بُسِطَ لغيره، يُطَيِّبُ اللهُ حياته بأن يكفيَه بالطيِّبات.
قالَ النبيُّ ﷺ: «طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ». جامع الترمذي (٢٣٤٩)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٥٠٦). (٨).
فيا عبدَ الله! لا يغُرَّنَّك كثرةُ الخبيثِ؛ فإنّ الله يقول: وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ[النساء: ٢].
طِب نفسًا بعقيدتك، وطِب نفسًا بسُنَّة نبيِّك ﷺ، وطِب نفسًا بشرائعِ إسلامك، يطِبْ لك عيشُكَ في الدُّنيا، ومصيرُكَ في الآخرة.
اللَّهُمَّ انصرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.