عنوان الخطبة: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ (عِبَرٌ وعِظاتٌ من هلاك الطغاة).
عناصر الخطبة:
١- عقلية الفرعون في الطغيان.
٢- شكر الله على هلاك الظالمين.
٣– مكر الله بالماكرين.
٤- النصر والفرج قريب.
الحمدُ للهِ قاهرِ الجبابرةِ الطُّغاةِ، وناصرِ المؤمنينَ الأُباةِ، ومُغيثِ المستضعَفينَ، ومُجيبِ دعوةِ المضطرّينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، إمامُ المتقينَ، وقائدُ الغُرِّ المحجَّلينَ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يقول ربُّنا سبحانه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[إبراهيم: ٥].
في ذاتِ يومٍ كانَ على هذهِ الأرضِ فرعونُ وهامانُ وجنودُهُما، وأمَّةٌ مستضعفةٌ من بني إسرائيلَ.
فرعونُ الذي طغى فاستغنى، غرَّهُ مُلكُهُ وسلطانُهُ، فنصَّبَ نفسَهُ إلهًا من دونِ اللهِ، علا في الأرضِ، فقهرَ أهلَ مصرَ جميعًا حتى يَتمَّ لهُ استعبادُهُم، أغرى الملأَ منهم وأصحابَ النفوذِ فجعلَهم عبيدًا لهُ ببذلِ الدنيا لهم، فاستعبدَهم بالزينةِ والسلطانِ والأموالِ، حتى صارَ عِزُّهُ عِزَّهُم، وسلطانُه سلطانَهُم، وأما مَن دونَهم فقد فرَّقَهم شِيَعًا وأحزابًا، وأغرى بينهم العداوةَ كي لا يتَّفقُوا عليهِ، واستخفَّ منهم قومَهُ فأطاعوهُ إنَّهم كانوا قومًا فاسقينَ، واستضعفَ منهم بني إسرائيلَ الذينَ لا يَدِينونَ بدينِهِ، فسامَهُم سوءَ العذابِ، ذبَّحَ أطفالَهُم، واستعبدَ رجالَهُم، وقهرَ نساءَهُم.
قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[القصص: ٤].
مرَّتِ الأيامُ والشُّهورُ والسِّنونُ، حتى أذِنَ اللهُ أن يـمُنَّ على المستضعَفِين بالفرَجِ والنَّجاةِ، فبعَثَ سبحانهُ موسى عليهِ السلامُ ليُقيمَ قومَهُ على الدِّينِ القَويمِ، وليُذَكِّرَ فرعونَ حقيقتَهُ، أنَّهُ ليسَ سوى عبدٍ للهِ، وأنَّ اللهَ هو وحدَهُ ربُّ العالمينَ.
ازدادَ الطّاغيةُ فرعونُ قتلًا وفسادًا، وامتلأَ قلبُهُ غَيظًا وعِنادًا، وتوعَّدَ قائلًا: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ[الأعراف: ١٢٧]
وفي أشدِّ لحَظاتِ الضَّعفِ والخَّوفِ، يأمرُ موسى قومَهُ بالصَّبرِ والإيمانِ، ويُخبِرُهُم أنَّ عاقبةَ الطُّغيانِ إلى بوارٍ، وأنَّ الأرضَ للهِ يُورثُها من يشاءُ من عبادِهِ والعاقبةُ للمتَّقينَ.
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[الأعراف: ١٢٨-١٢٩].
ظنَّ الطّاغيةُ فرعونُ وملَؤُهُ وجنودُهُ وقومُهُ أنَّهم فوقَ الخَلْقِ قاهرونَ، حتى نصَّبَ فرعونُ نفسَهُ ربًّا دونَ اللهِ، قائلًا: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[النازعات: ٢٤].
حينئذٍ أخذهُ اللهُ معَ جنودِهِ أخْذَ عزيزٍ مقتدرٍ، وجعلَهُم عبرةً لمن أرادَ أن يعتبرَ.
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام: ٤٥].
عباد الله:
كم عاشَ على هذه الأرضِ من فرعونَ، ومن جنودٍ لفرعونَ، ومن طُغيانٍ وظلمٍ لفرعونَ!
وكم في الأرضِ من مستضعفينَ، أُقيمتْ لهم المذابحُ، وغيَّبتهُم السُّجونُ، وقهرَهُم التَّعذيبُ والأذى!
وكم للهِ مِن فرَجٍ عظيمٍ، ونصْرٍ مبينٍ، وهلاكٍ للظالمينَ!
إنَّ لأولي الألبابِ معَ هلاكِ الظالمينَ، ونجاةِ المستضعفينَ، ونصرِ الموحِّدينَ، عِبَرًا وعِظاتٍ.
أوَّلُها: أنَّ اللهَ هو الحميدُ المجيدُ، لهُ الحمدُ والشكرُ العظيمُ، والمؤمنُ يحمدُ اللهَ ويشكرُهُ على إحسانِهِ وإنعامِهِ، ويفرحُ لفرحِ المسلمينَ إخوانِهِ.
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم: ٦-٧].
وقال سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس: ٥٨].
وأما الثانية: فإنَّ المؤمنَ لا يقنَطُ مِن فرَجِ اللهِ، ولا ييأسُ من رَوْحِ اللهِ، يوقنُ أنَّ اللهَ سميعٌ قريبٌ، لا يغفُلُ ولا ينامُ، وأنَّ اللهَ يجعلُ بعدَ العُسرِ يُسرًا، بل يأتي العُسرُ ومعهُ اللُّطفُ واليُسرُ.
قال تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا[الطلاق: ٧].
وقال سبحانه: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: ٥-٦].
فمهما كانتِ الشَّدائدُ والكروبُ، فإنَّ اللهَ فارجُ الهمومِ وكاشفُ الكروبِ.
يقول النبيُّ ﷺ: «اعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْر، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا». مسند أحمد (٢٨٠٣)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٣٨٢) (١)
ورضي الله عن الفاروق عمرَ رضي الله عنه، القائلِ: «إِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنزِلِ شِدَّةٍ، يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُا فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ». مصنف ابن أبي شيبة (٣٣٨٤٠)، وحسنه ابن حجر في تغليق التعليق (٤/٣٧٢) (٢)
وهوَ سبحانهُ ناصرُ المستضعفينَ، ومجيبُ دعوةِ المضطرينَ، ومغيثُ الملهوفينَ.
قالها النبيُّ ﷺ يومَ الحُدَيبيةِ لأبي جندلٍ وهو يَرْسُفُ في قيودِهِ من ظلمِ المشركينَ: «يَا أَبَا جَنْدَل! اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا». مسند أحمد (١٨٩١٠)، بإسناد حسن (٣)
قد يظُنُّ المظلومُ أنَّ القضيَّةَ انتهت، لكنَّها لم تبدَأ بعد، فإنَّ اللهَ رفعَ دعوتَهُ فوقَ الغمامِ، وسيُجيبُهُ ولو بعد حينٍ.
يقول النبيُّ ﷺ: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». صحيح البخاري (١٤٩٦)، وصحيح مسلم (١٩) (٤)
وأما الثالثةُ يا عبادَ اللهِ:
فهي أنَّ اللهَ غالبٌ على أمرِهِ، الملكُ ملكُهُ، والأرضُ أرضُهُ، لا يَخرُجُ أحدٌ عن سلطانِهِ وقهرِهِ.
قال الملك الحقُّ: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[يوسف: ٢١]
يُـملي للظالمين، ويمكُر بالمجرمين، وكيدُه متين، ولا يَحيقُ المكرُ السّيِّئُ إلا بالطُّغاة المتجبِّرين.
ما مِن حِقبةٍ من الزمانِ، إلا ويَمكُرُ فيها أكابرُ أهلِ الإجرامِ، إلا أنهم كما قالَ اللهُ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[الأنعام: ١٢٣].
مَكرُهم بأنفُسهم، لأنَّ الله لهم بالمرصاد، كما قال تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ[إبراهيم: ٤٦].
إلا أنَّ اللهَ القويَّ المتينَ ينسِفُ بُنيانَهم، ويُزهِقُ أباطيلَهم.
قال الله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ[النحل: ٢٦].
يُخطِّطونَ ويُدبِّرونَ، لكنَّ العاقبةَ والنَّجاةَ تكونُ للذينَ آمنوا وكانوا يتَّقونَ.
قال الله: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[النمل: ٥٠-٥٣].
تلكمْ هي القاعدةُ القرآنيةُ الرَّبانيَّةُ، وسُننُ اللهِ الإلهيَّةُ.
قال سبحانه: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا[فاطر: ٤٣].
وقَالَ نبيُّنا ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[هود: ١٠٢]، صحيح البخاري (٤٦٨٦)، وصحيح مسلم (٢٥٨٣) (٥)
وأما الرابعةُ يا عبادَ اللهِ: فإنَّ وعْدَ اللهِ حقٌّ، ونصْرَهُ قريبٌ، ينصرُ من يشاءُ حينَ يشاءُ، وهو القويُّ العزيزُ، لهُ جنودُ السماواتِ والأرضِ، ولا يعلمُ جنودَ ربِّكَ إلا هو، يَنصرُ بالرعبِ، ويُهلكُ بالريحِ، ويَخسِفُ الأرضَ، ويُرسلُ الصواعقَ، وهو شديدُ المحالِ.
قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[البقرة: ٢١٤].
نصرُهُ قريبٌ، وعَدَ بهِ المؤمنينَ الذينَ ينصرونَ دينَهُ، ويُقيمونَ شَرْعَهُ، لكنَّهُ يُقدِّرُهُ بحكمتِهِ، فإنَّهُ لا يَعْجَلُ بعَجَلةِ العبادِ، بل شأنُهُ كما قالَ سبحانهُ:ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد: ٤].
فالمؤمنونَ يعيشونَ على ثقةٍ بوعدِ اللهِ، ويتوكَّلونَ عليهِ، لأنَّهُ حَسبُهُم وكافيهِم.
قال سبحانه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[آل عمران: ١٦٠].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وَبَعدُ:
عبادَ الله:
لقد وعدَ اللهُ بالنصْرِ والتَّثبيتِ مَن آمنَ بهِ ربًّا وإلَهًا، وأقامَ دينَهُ وشَرْعَهُ وجعلَهُ حَكمًا ومِنهاجًا، وبذلَ في سبيلِهِ نفوسًا وأموالًا، فقال:وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[الحج: ٤٠-٤١].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد: ٧].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: ١٠-١٣].
اللَّهُمَّ انصرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعفينَ، وارفعْ رايةَ الدينِ، بقوتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.