خطبة (وإنك لعلى خلق عظيم)

خطبة (وإنك لعلى خلق عظيم)

عنوان الخطبة: وَإِنَّكَ ‌لَعَلَى ‌خُلُقٍ عَظِيمٍ.

عناصر الخطبة:

١- أخلاقه ﷺ.

٢- النبي ﷺ مثال عَمَلي للقرآن.

٣- شمائله ﷺ من براهين نبوته.

٤- حقوقه ﷺ على أمته.

 

الحمدُ للهِ الذي منَّ على المؤمنينَ، فبعثَ فيهم محمدًا النبيَّ الصادقَ الأمينَ، ذا الخُلُقِ العظيمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السرِّ والنجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عبادَ اللهِ:

في ذاتِ يومٍ أهْدَتِ امرأةٌ إلى النبيِّ ﷺ ثوبًا، وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَحْسَنَ هَذِهِ، فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: «نَعَمْ». فرَجَعَ النبيُّ ﷺ إلى بيتِهِ، فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فلَامَ الصحابةُ y ذلكَ الرجلَ، وقَالُوا: مَا أَحْسنتَ حِينَ رَأَيتَ النَّبِيَّ ﷺ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ ﷺ، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا. صحيح البخاري (٦٠٣٤). (١)

إن نبيَّنا ﷺ نبيٌّ كريمٌ، كريمُ القدرِ، كريمُ الصفاتِ، كريمُ الشمائلِ.

صدقَ فيه أنسُ بنُ مالكٍ رضي اللهُ عنه، حين قالَ واصفًا إيّاهُ –وهو الذي خدمَهُ عشرَ سنين-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ». صحيح البخاري (٣٠٤٠)، وصحيح مسلم (٢٣٠٧). (٢)

وصدقَ فيه شاعرهُ حسّان بن ثابت رضي الله عنه حين قال يرثيه:

لَقَدْ غَيّبُوا حِلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً
عَشِيّةَ عَلّوْهُ الثّرَى لَا يُوَسّدُ

يَدُلّ عَلَى الرّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ
وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ

إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِدًا
مُعَلّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا


 

بل صدَقَ ربُّه الذي زكّاهُ فأحسنَ تزكيتهُ، ووصفَهُ فأبلغَ في وصفهِ حين قال: وَإِنَّكَ ‌لَعَلَى ‌خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: ٤].

وصدقَ في وصفهِ حين قال جلّ شأنُه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: ٤٥-٤٦].

وصدقَ وأبلغَ في قولِهِ سبحانهُ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء: ١٠٧].

لقد كانَ ﷺ أتقى الناسِ، وأعبدَ الناسِ، وأزهدَ الناسِ، وأوْرعَ الناسِ، وأخشاهم لربِّهِ، دائمَ الذكرِ لمولاهُ، قُرَّةُ عينِهِ الصلاةُ، يبكي من خشيةِ ربِّهِ حتى يَبُلَّ لحيتَهُ وثوبَهُ بل والأرضَ التي تحتَ قدمِهِ، يقومُ الليلَ حتى ترمَ قدماهُ، ويقولُ: «أفلا أكونَ عبدًا شكورًا؟»صحيح البخاري (١١٣٠)، وصحيح مسلم (٢٨١٩). (٣)

كان ﷺ أحرصَ الناسِ على هدايةِ الناس، كما قالَ الله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ‌حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[التوبة: ١٢٨].

ليسَ العجبُ ممن يسعى في صلاحِ نفسِهِ ونفعِها أن يصبرَ على الناسِ ويحتمِلَ أذاهُم، إنما العجبُ ممن سعيُه كلُّهُ في صلاحِ الناسِ ونفعِهم وإنقاذِهم من العذابِ، وهم يؤذونَهُ ويتوعّدونَهُ ويُكذّبونَهُ، وهو حليمٌ عليهم، رحيمٌ بهم، حريصٌ على هدايتِهم، يعفو ويصفحُ ويدعو لهم.

لقد أدْمَوه يومًا فجَعل يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ». صحيح البخاري (٣٤٧٧). (٤)

حتى في أصعب الأيام التي آذَوْه فيها ﷺ، يأتيه مَلَكُ الجِبَالِ ويقول يَا مُحَمَّدُ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». صحيح البخاري (٣٢٣١)، وصحيح مسلم (١٧٩٥). (٥)

يأتيه الطُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، فيقولون: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فقال بعض الناس: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فقَالَ ﷺ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ». صحيح البخاري (٢٩٣٧)، وصحيح مسلم (٢٥٢٤). (٦)

كان كما قال رب العالمين: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ ‌بَعَثَ ‌فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[آل عمران: ١٦٤].

يتلو على الناس القرآن، ويعلِّمهم دينَ الله كتعليمِ الوالدِ الحاني، كما كانَ يقولُ لأصحابه: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ». المسند (٧٤٠٩)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢٥٢). (٧)

ولما تكلَّمَ أحدُ أصحابه في أثناءِ الصلاةِ دون علم، علَّمه أجملَ التعليم، حتى قال: «مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ». صحيح مسلم (٥٣٧). (٨)

ويُزكّي أصحابَهُ ويُربّيهم، فيَغرسُ فيهمُ الإيمانَ قبل القرآنِ، ويُحبّبُ إليهم ربّهم ويعظّمُهُ في قلوبِهم، يعلّقُ قلوبَهم بالجنانِ، ويخوّفَهم عذابَ النّيرانِ. 

كانَ ﷺ طبيبَ القلوبِ والنفوسِ، يَعْلمُ عِلَلَها ودواءَها، فيترفَّقَ بهم حتى يأذنَ اللهُ بالشفاءِ.

جاءه شابٌّ قائلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فقربه إليه ثم قَالَ «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟» قَالَ لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». ثم وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ". المسند (٢٢٢١١)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٧٠). (٩)

يدعو فاعلَ الكبيرة إلى التوبة، ويفتحُ له بابَ الرَّجاء، بل لَمّا دعا أحدُهم على رجلٍ شَرِبَ الخمر وأُقيمَ عليه الحدُّ قائلا: "أَخْزَاكَ اللَّهُ". قَالَ ﷺ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ! وَلَكِنْ قُولُوا: رَحِمَكَ اللَّهُ». صحيح البخاري (٦٧٧٧)، وزاد أحمد في المسند (٧٩٨٥) قوله:"وَلَكِنْ قُولُوا: رَحِمَكَ اللَّهُ". (١٠)

وكان أصدقَ الناس لسانًا، وأعظمَهم أمانةً، وأوفاهم عهدًا، لا يغدِرُ حتّى بأعدائِه، وكان يقول: «نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ». صحيح مسلم (٢٣٩٤). (١١)

وكان ﷺ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، يملأُ العين مهابة ووقارًا، حتى قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: «مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ» صحيح مسلم (١٢١). (١٢)

وكان أطيبَ الناس قولًا، لا تُعابُ عليه كلمة، لَمْ يَكُن فاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا»صحيح البخاري (٢٧٣١). (١٣)

يعيشُ بينهم غايةَ التواضعِ، يجلسُ كما يجلسُ العبدُ، ويأكلُ كما يأكلُ العبدُ، ليسَ مَلِكًا كملوكِ الدنيا، لا يتميزُ بينهم بشارَةٍ ولا ثوبٍ، ولا حُجّابٍ ولا حرَس، يكون في بيته «يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ وَيَحْلِبُ شَاتَهُ» رواه البخاري في الأدب المفرد (٥٣٩)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٤١٩، ٤٢٠). (١٤)

جاءه رجل فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ»سنن ابن ماجه (٣٣١٢)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٦٧٧). (١٥)

يُشاورُ أصحابَهُ، ويَنزلُ على رأيِهم، يتفقَّدُ أحوالَهم، ويزورُ ضعيفَهم، ويعودُ مريضَهم، ويحزنُ لمُصابِهم، ويجودُ عليهم، ويؤثرُهم على نفسِه ﷺ.

يقول جابر رضي الله عنه: «مَا سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ لاَ»صحيح البخاري (٣٤٧٧). (١٦)

أشجعُ الناس قلبًا، وأقواهم في دين الله، لا أحدَ أغْيَرُ على دين الله منه، مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ. رواه البخاري (٦٧٨٦). (١٧)

يَخرجُ معهم للجهاد، ويُقاتلُ معهم ودونهم، حتى قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ القَوْمِ مِنْهُ». المسند (١٣٤٧)، بإسناد صحيح. (١٨)، ثابتٌ كالجبلِ الأشمّ لا يَفِرّ، أعلنها للمشركين قائلًا: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي (أي حتى لو قُطِعت عُنُقي)، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ». صحيح البخاري (٢٧٣١). (١٩)

هكذا كانَ ﷺ النبيُّ القدوة، والأسوة الحسنة، عظيمُ الأخلاق، كريمُ السَّجايا، طيِّبُ الشمائل، جميلُ الفَعال.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آلهِ وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإنّ سيرة نبيّنا ﷺ وأخلاقَه وشمائلَه، من أعظم براهين صدق نبوته، فلا يملِك قلبُك ونفسُك وأنتَ تَقرأُ عظيمَ أخلاقه، وجميلَ سجاياه، إلّا أن تقولَ: لا يفعلُ هذا إلا نبي!

تلوحُ على وجهه سواطعُ أنوارِ النبوة، هذا عبدُ الله بنُ سَلَام يقول عن حاله - وكان يهوديًّا فأسلم-: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ». جامع الترمذي (٢٤٨٥)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٥٦٩). (٢٠)

لو لم تكُنْ فيه آياتٌ مبيِّنةٌ
كانت بديهتُه تأتيكَ بالخَبَر

 

إنَّ لهذا النبيِّ الكريمِ حقًّا عظيمًا علينا: 

فعلينا أن نؤمنَ به ﷺ نبيًّا رسولًا، ونوقِّرَهُ ونعظِّمَهُ، ونضعَ كلامَهُ على الرأسِ والعينِ، فلا نُقدِّمَ على قولِهِ وعلى حُكمهِ رأيًا ولا عقلًا ولا فكرًا، ولا قولَ أحدٍ كائنًا من كان. 

علينا أن نتّبعَ هديهُ، ونُطيعَ أمرهُ، ونتخلَّقَ بأخلاقهِ، ونتعلَّمَ سيرتَهُ، ونحبَّهُ أعظمَ من حبِّنا لأنفسِنا. 

علينا أن نبلِّغَ دينهُ، وننصرَ سنتَهُ، ونغضبَ لأجلِهِ، ونواليَ وننصُرَ المؤمنينَ الذينَ يشاركونَنا محبتَهُ والإيمانَ بهِ والدفاعَ عن دينِهِ.

ذاكمُ طريقُ الفلاح كما قال ربنا: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا ‌النُّورَ ‌الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[الأعراف: ١٥٧].

اللهمَّ انصر الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِك اليهودَ المجرمينَ، اللهمَّ وأنزل السكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادكَ المستضعفينَ، وارفعْ رايةَ الدينِ، بقُوَّتِك يا قويُّ يا متينُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

شارك المحتوى: