خطبة (الاختلاط بين الجنسين)

خطبة (الاختلاط بين الجنسين)

عنوان الخطبة: الاختلاط بين الجنسين
 

عناصر الخطبة:

١- حرص الشريعة على العفاف والطهر.   

٢- حرمة الاختلاط.

٣- من مظاهر الاختلاط.       

٤- خطر الاختلاط وأضراره.

 
 

الحَمْدُ لِلَّهِ الحَكِيمِ العَلَّام، شَرَعَ لِعِبَادِهِ أَكْمَلَ الأَحْكَام، وَبَيَّنَ لَهُمُ الحَلَالَ مِنَ الحَرَام، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الكِرَام، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين، أَمَّا بَعْد:

فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
 

أَيُّهَا المُسْلِمُون:

جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الغَرَّاءُ تُحَافِظُ عَلَى العَفَافِ وَالطُّهْر، وَتَدْعُو إِلَى الحِشْمَةِ وَالفَضِيلَةِ وَالسِّتْر، فَسَدَّتْ بَابَ الفِتَنِ وَأَغْلَقَتْ مَنَافِذَ الشَّرّ، فَشَرِيعَةُ اللَّهِ إِذَا نَهَتْ عَنْ مُحَرَّمٍ مَنَعَتْ أَسْبَابَهُ وَوَسَائِلَه، قَالَ تَعَالَى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا، فَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الزِّنَا، حَرَّمَ قُرْبَانَهُ وَالسُّبُلَ المُوصِلَةَ إِلَيْه.
 

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّه: «فَإِذَا حَرَّمَ الرَّبُّ تَعَالَى شَيْئًا وَلَهُ طُرُقٌ وَوَسَائِلُ تُفْضِي إِلَيْه، فَإِنَّهُ يُحَرِّمُهَا وَيَمْنَعُ مِنْهَا، تَحْقِيقًا لِتَحْرِيمِهِ وَتَثْبِيتًا لَه، وَمَنْعًا أَنْ يُقْرَبَ حِمَاه، وَلَوْ أَبَاحَ الوَسَائِلَ وَالذَّرَائِعَ المُفْضِيَةَ إِلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّحْرِيم، وَإِغْرَاءً لِلنُّفُوسِ بِه، وَحِكْمَتُهُ تَعَالَى وَعِلْمُهُ يَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الإِبَاء».
 

وَمِنْ هُنَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى المَرْأَةَ بِالقَرَارِ فِي البَيْتِ فَقَال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.
 

وَدَعَاهَا إِذَا خَرَجَتْ إِلَى السِّتْرِ وَالحِجَاب، قَالَ عَزَّ وَجَلّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا.
 

وَنَهَاهَا عَنِ التَّبَرُّجِ فَقَال: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى.
 

وَحَذَّرَهَا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ فِتْنَة، فَقَالَ سُبْحَانَه: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
 

وَحَثَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَلَى غَضِّ البَصَرِ فَقَال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ.
 

وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ كُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الفَاحِشَة، فَنَهَى عَنِ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاء، وَحَرَّمَ الخَلْوَةَ بِالمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّة، وَحَذَّرَهَا مِنَ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَم، وَنَهَاهَا أَنْ تَخْرُجَ مُتَزَيِّنَةً مُتَطَيِّبَةً أَوْ مُتَبَرِّجَة، كُلُّ هَذَا صِيَانَةً لِلْعِرْضِ وَالفَضِيلَةِ، وَحِفْظًا لِلعِفّةِ وَالشَّرَف.
 

عِبَادَ الله:

وَإِنَّ مِمَّا جَاءَت الشَّرِيعَةُ بِتَحْرِيمِهِ الِاخْتِلَاطَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَفَاسِدَ وَعَوَاقِب، وَلِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ مِنَ انْحِلَالٍ وفِتَن، وَقَدْ دَلَّ عَلَى حُرْمَتِهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاع، قَالَ تَعَالَى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الخِطَابُ نَزَلَ فِي نِسَاءٍ طَاهِرَاتٍ، وَفِي أَقْوَامٍ عَرَفُوا الحِشْمَةَ وَالصَّفَاء، وَالعِفَّةَ وَالنَّقَاء، فَكَيْفَ بِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ؟

وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الخَلْوَةِ بِالنِّسَاء، فَقَال: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَان» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي العَمَلِ وَفِي الدِّرَاسَةِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الخَلْوَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَان، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مُشَاهَد.
 

وَمَنَعَ ﷺ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ مِنَ الأَمَاكِن؟ فَقَالَ ﷺ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا البَابَ لِلنِّسَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
 

بَلْ وَحَتَّى فِي الصَّلَاةِ يُؤَخِّرُ صُفُوفَ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَال، وَيَقُولُ ﷺ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» رَوَاهُ مُسْلِم.
 

قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: «وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَرُؤْيَتِهِمْ... وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ لِعَكْسِ ذَلِك».
 

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ المَسْجِد، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيق، فَقَالَ ﷺ لِلنِّسَاء: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيق، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَرِيق»، قَال: فَكَانَتِ المَرْأَةُ تَلْصَقُ بِالجِدَار، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِه.

وَإِنَّ مِنَ العَجَبِ أَنْ يَسْتَدِلَّ مَنْ يُبِيحُ الِاخْتِلَاطَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي الطّوَافِ بِالكَعْبَة، مَعَ أَنَّ المَشْرُوعَ لَنَا فِي الطَّوَافِ أَنْ يَتَمَايَزَ الرِّجَالُ عَنِ النِّسَاء، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِذَلِكَ لَمَّا اشْتَكَتْ مَرَضَهَا، فَقَالَ لَهَا: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ». رَوَاهُ البُخَارِيّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّه: أَمَرَهَا أَنْ تَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا.

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَال: «لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ (يَعْنِي النِّسَاءُ الرِّجَالَ)، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال، لَا تُخَالِطُهُمْ».
 

وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُمَايِزُونَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الطَّوَافِ، وَلَا يَسْمَحُونَ بِالتَّدَاخُلِ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ نَهَى الفَارُوقُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَطُوفَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاء، فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّة.
 

وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي الطَّوَافِ لَوْ وَقَعَ فَهُوَ اخْتِلَاطٌ عَابِرٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ طُولُ عِشْرَةٍ وَتَقَارُبٌ وَجُلُوس، يَفْتَحُ البَابَ لِلتَّعَارُفِ وَكَسْرِ الحَوَاجِز، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الِاخْتِلَاطُ الدَّائِم، الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَيَتَعَارَفُونَ وَيَتَحَدَّثُون، وَقَدْ تَقَعُ بَيْنَهُمُ الخَلْوَةُ وَيَجِدُ الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ سَبِيلًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ تُنَافِي الحَيَاءَ وَالسِّتْرَ وَمَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ وَإِمَائِهِ المُؤْمِنَات؟

عِبَادَ الله:

إِنَّ لِلِاخْتِلَاطِ صُوَرًا كَثِيرَةً وَمَظَاهِرَ مُتَعَدِّدَة، انْتَشَرَتْ فِي زَمَانِنَا، وَيَجِبُ عَلَيْنَا إِنْكَارُهَا، فَمِنْ ذَلِك:

الِاخْتِلَاطُ بَيْنَ المُوَظَّفِينَ وَالمُوَظَّفَاتِ فِي أَمَاكِنِ العَمَل، كَالشَّرِكَاتِ وَالمُؤَسَّسَاتِ الحُكُومِيَّة، وَكَثِيرٌ مِنْهُ يَقَعُ فِي المُسْتَشْفَيَاتِ وَالمَرَاكِزِ الصِّحِّيَّة، مِنْ اخْتِلَاطِ العَامِلِينَ فِي هَذَا المَجَالِ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَكَثِيرًا مَا تَقَعُ الخَلْوَةُ المُحَرَّمَةُ بِالمَرِيضِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى دُونَ مَحْرَم.

وَمِنْ مَظَاهِرِ الِاخْتِلَاط: الِاخْتِلَاطُ بَيْنَ الطُّلَّابِ والطّالباتِ فِي قَاعَاتِ المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ وَالمَعَاهِد، هَذَا وَأَكْثَرُهُمْ فِي سِنِّ الشَّبَاب، ولَمْ يَتَزَوَّجْ بَعْدُ.

وَمِنْهَا: الِاخْتِلَاطُ الوَاقِعُ فِي الأَفْرَاحِ وَالمُنَاسَبَات، وَالأَعْيَادِ وَالمَوَالِد، مَعَ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ مُنْكَرَات كَثِيرَة.

وَمِنْهَا: الِاخْتِلَاطُ بَيْنَ الأَقَارِبِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنَ المَحَارِم، فَكَمْ يَقَعُ ذَلِكَ بِدَعْوَى صَفَاءِ النِّيَّةِ وَنَقَاءِ القُلُوب، بَلْ رُبَّمَا حَصَلَت الخَلْوَةُ بِهَذِهِ الحُجَّة، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاء، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَار: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ (يَعْنِي أَخَا الزَّوْجِ) فَقَال ﷺ: الحَمْوُ المَوْت».

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّة، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالحِكْمَة، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوه، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.


 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّه، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّه، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاه، وَبَعْد:

عِبَادَ اللَّهِ:

الِاخْتِلَاطُ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ أَصْلٌ لكثيرٍ من البَلايَا وَالشُّرور، وَلَهُ مَفَاسِدُ كَبِيرَةٌ وَعوَاقِبُ خَطِيرَة.

فَمِنْ ذَلِك: أَنَّهُ سَبَبٌ لِإِطْلَاقِ البَصَر، فَالِاخْتِلَاطُ رَافِعٌ لِلْحُجُبِ عَنِ المُحَرَّمِ مِنَ النَّظَر، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ.
 

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «يَا عَلِيُّ! لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَة، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَة» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ.
 

وَمِنْهَا: أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعَلَاقَاتِ المُحَرَّمَةِ بَيْنَ الجِنْسَيْن، فَفِي الِاخْتِلَاطِ وَجُلُوسِ الذُّكُورِ مَعَ الإِنَاثِ لِسَاعَاتٍ طَوِيلَةٍ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مَدْعَاةٌ لِلْفِتْنَة، وَالوُقُوعِ فِيمَا يُسْخِطُ اللَّه، وَهُوَ سَبِيلٌ لِعَقْدِ العَلَاقَاتِ وَمَيْلِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لِلْآخَر، وَطَرِيقٌ لِلتَّعَارُفِ وفَتحِ بابٍ لِلشَّيْطان.
 

وَمِنْ أَضْرَارِ الِاخْتِلَاط: أَنَّهُ سَبَبٌ لِكَسْرِ بَابِ الحَيَاء، وَخَاصَّةً لِلْمَرْأَة، فَالِاخْتِلَاطُ يَخْدِشُ عِفَّتَها، وَيُنْقِصُ حَيَاءَهَا، وَهُوَ مَجْلَبَةٌ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالتُّهْمَة.
 

وَمِنْهَا: أَنَّهُ مَدْعَاةٌ لِتَبَرُّجِ النِّسَاءِ وَتَزَيُّنِهِنَّ لِلرِّجَالِ وَتَعَطُّرِهِنّ، وَنَقْصِ السِّتْرِ وَالحِشْمَةِ وَالحِجَاب، حِرْصًا عَلَى لَفْتِ الِانْتِبَاه، وَإِطْمَاعِ مَرْضَى القُلُوب.
 

وَمِنْهَا: أَنّهُ سَبَبٌ لِكَثِيرٍ مِنَ المَشَاكِلِ الأُسَرِيَّة، وَوُقُوعِ الطَّلَاق، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ مِنْ جِهَة، وَلِوُقُوعِ المُقَارَنَاتِ بَيْنَ مَا يَرَاهُ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ مَنْ يُخَالِطُه، مَعَ مَا يَجِدُهُ فِي بَيْتِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
 

وَمِنْهَا: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ كَثْرَةِ الزِّنَا وَالعَلَاقَاتِ المُحَرَّمَة، وَانْتِشَارِ الفَوَاحِشِ فِي المُجْتَمَعَات، فَفِي الِاخْتِلَاطِ فَسَادُ الأَخْلَاق، وَقَتْلُ الغَيْرَة.
 

وَمِنْ أَضْرَارِهِ فِي المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِضَعْفِ التَّعْلِيم، وَالإِلْهَاءِ عَنْ الدِّرَاسَة، لِمَا فِيهِ مِنَ انْصِرَافٍ لِتَحْسِينِ المَظْهَر، وَتَفْكِيرِ كُلٍّ مِنَ الجِنْسَيْنِ بِالآخَر، وَمَا يَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ تَشْتِيتِ التَّرْكِيز، وَشُرُودِ الذِّهْن، وَضَعْفِ المُذَاكَرَة، وَلَقَدْ أَظْهَرَتْ كَثِيرٌ مِنَ الدِّرَاسَاتِ الغَرْبِيَّةِ أَنَّ الفَصْلَ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ فِي الجَامِعَاتِ وَالمَدَارِسِ يَأْتِي بِنَتَائِجَ أَفْضَلَ مِنْ مُخْرَجَاتِ الجَامِعَاتِ وَالمَدَارِسِ المُخْتَلِطَة.

فَهَذِهِ بَعْضُ المَفَاسِدِ الَّتِي تُوجِبُ عَلَى أَهْلِ العَقْلِ وَالمُرُوءَةِ مَنْعَ الاختِلاطِ أَوْ تَقْلِيلَهُ بِحَسَبِ الطَّاقَة، رِعَايَةً لِلْعَفَافِ وَالطُّهْر، وَحِفْظًا لِلْحَيَاءِ وَالسِّتْر، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ مِنْ كُلِّ بَلِيّةٍ وَشَر.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.

عِبَادَ اللَّه: اُذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَآخَرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.

 

شارك المحتوى: